قَدْ يُقَالُ: الْخِطَابُ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَجُمِعَ إِمَّا تَعْظِيمًا لَهُمَا أَوْ تَغْلِيبًا لِمَنْ مَعَهُمَا مِنَ الْحَاضِرَاتِ أَوِ الْحَاضِرِينَ أَوْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ.
وَيُعَضِّدُهُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ أَيْ: أُغْمِيَ إِلَى آخِرِهِ رَوَى الشَّيْخَانِ أَيْضًا بَعْضَهُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ وَأَنَّ عَائِشَةَ أَجَابَتْهُ، وَإِنْ كَرَّرَ ذَلِكَ فَكَرَّرَتِ الْجَوَابَ وَأَنَّهُ قَالَ (إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ أَوْ صَوَاحِبَاتُ يُوسُفَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَقَالَتْ لَهَا حَفْصَةُ: مَا كُنْتُ لِأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِصَوَاحِبِ يُوسُفَ مِثْلُهُنَّ مِنْ جِنْسِ النِّسَاءِ الْوَارِدِ فِي حَقِّهِنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
(قَالَ) أَيْ: سَالِمٌ (فَأُمِرَ بِلَالٌ) بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ (فَأَذَّنَ وَأُمِرَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى بِالنَّاسِ) أَيْ: تِلْكَ الصَّلَاةَ وَمَجْمُوعُ مَا صَلَّى بِهِمْ سَبْعَ عَشْرَةَ صَلَاةً كَامِلَةً عَلَى مَا نَقَلَهُ الدِّمْيَاطِيُّ وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ وَجَعَلَ قَوْلَهُ سَبْعَ عَشْرَةَ مَفْعُولَ صَلَّى الْمَذْكُورِ فِي الْمَتْنِ، وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ كَمَا أَشَرْتُ إِلَيْهِ لِمَنْ لَهُ فَهْمٌ قَوِيمٌ (ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَدَ خِفَّةً فَقَالَ انْظُرُوا) أَيْ: لِي كَمَا فِي نُسْخَةٍ أَيْ: تَفَكَّرُوا وَتَدَبَّرُوا (مَنْ أَتَّكِئُ عَلَيْهِ) أَيْ: لِأَخْرُجَ لِلصَّلَاةِ (فَجَاءَتْ بَرِيرَةُ) هِيَ جَارِيَةٌ لِعَائِشَةَ كَذَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ غَيْرُ مُلَائِمٍ لِخُرُوجِهَا مَعَهُ مَعَ أَنَّهَا مَعْتُوقَةٌ لِعَائِشَةَ، وَلَعَلَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تُوصِلَهُ إِلَى الْبَابِ، ثُمَّ الْأَصْحَابُ يُوصِلُونَهُ إِلَى الْمِحْرَابِ وَكَذَا لَا يُنَاسِبُهَا قَوْلُهَا (وَرَجُلٌ آخَرُ) قَالَ مِيرَكُ: وَاسْمُهُ نُوبَةُ بِضَمِّ النُّونِ وَالْمُوَحَّدَةِ الْمُخَفَّفَةِ كَمَا جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ امْرَأَةٌ انْتَهَى، يَعْنِي لِقَوْلِهَا وَرَجُلٌ آخَرُ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِبَعْضِ الرِّوَايَاتِ مَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ بَرِيرَةَ وَنُوبَةَ وَضَبَطَهُ ابْنُ حَجَرٍ بِضَمٍّ فَسُكُونٍ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُ أَمَةٌ، هَذَا وَجَاءَ فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ فِي سِيَاقٍ آخَرَ رَجُلَانِ عَبَّاسٌ وَعَلِيٌّ لَفْظُ الشَّيْخَيْنِ فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ وَفَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْآخَرَ بِعَلِيٍّ، وَفِي طَرِيقٍ آخَرَ وَيَدُهُ عَلَى الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ وَيَدُهُ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ وَجَاءَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ «بَيْنَ رَجُلَيْنِ» أَحَدُهُمَا أُسَامَةُ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْعَبَّاسُ وَوَلَدُهُ الْفَضْلُ، وَفِي أُخْرَى الْعَبَّاسُ وَأُسَامَةُ وَعِنْدَ الدَّارَقُطْنِيُّ أُسَامَةُ وَالْفَضْلُ وَعِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ الْفَضْلُ وَثَوْبَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - وَجَمَعُوا بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ جَمِيعِهَا بِتَعَدُّدِ خُرُوجِهِ أَوْ بِأَنَّ الْعَبَّاسَ لِكِبَرِ سِنِّهِ وَشَرَفِ شَأْنِهِ كَانَ مُلَازِمًا لِلْأَخْذِ بِيَدِهِ، وَلِذَا ذَكَرَتْهُ عَائِشَةُ وَالْبَاقُونَ تَنَاوَبُوا وَتَنَافَسُوا وَخُصُّوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ خَوَاصِّ أَهْلِ بَيْتِهِ وَلَمَّا لَمْ يُلَازِمْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي جَمِيعِ الطَّرِيقِ أَبْهَمَتْ عَائِشَةُ الرَّجُلَ الَّذِي مَعَ الْعَبَّاسِ لَكِنَّ الْجَمْعَ الْأَوَّلَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ بَعْضَ الرِّوَايَاتِ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْعَبَّاسِ فَلَا يُجْمَعُ بِهِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ، وَفِي الْجُمْلَةِ (فَاتَّكَأَ عَلَيْهِمَا) أَيِ اعْتَمَدَ عَلَى اثْنَيْنِ مِنْهُمْ وَخَرَجَ مِنَ الْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ (فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ) أَيْ: شَرَعَ أَوْ قَصَدَ (لِيَنْكُصَ) بِضَمِّ الْكَافِ كَذَا قَالَهُ الْحَنَفِيُّ وَالْأَوْلَى أَنْ يُضْبَطَ بِكَسْرِ الْكَافِ طِبْقَ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ (عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ) بِالْكَسْرِ عَلَى مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْقُرَّاءُ السَّبْعَةُ وَالْعَشَرَةُ وَمَا فَوْقَهُمْ نَعَمْ قَالَ الزَّجَّاجُ: يَجُوزُ ضَمُّ الْكَافِ وَكَذَا جَوَّزَهُ صَاحِبُ الصِّحَاحِ أَيْ: لِيَتَأَخَّرَ وَالنُّكُوصُ الرُّجُوعُ قَهْقَرَى (فَأَوْمَأَ) بِالْهَمْزِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَفِي نُسْخَةٍ
فَأَوْمَى، وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ أَيْ: أَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إِلَيْهِ) أَيْ: إِلَى أَبِي بَكْرٍ (أَنْ يَثْبُتَ مَكَانُهُ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَعَ كَمَا سَبَقَ خِلَافًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute