للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي طبقات ابن سعد عن مالك بن أنس قال كان عمر بن عبدالعزيز لا يقضي بقضاء حتى يسأل سعيد بن المسيب فأرسل إليه إنساناً يسأله فدعاه فجاء حتى دخل فقال عمر أخطأ الرسول إنما أرسلناه يسألك في مجلسك (١).

وفي ترجمة عبدالله بن أبي مليكه عند ابن سعد أيضاً قال: بعثني عبدالله بن الزبير على قضاء الطائف فقلت لابن عباس: إن هذا قد بعثني على قضاء الطائف ولا غنى بي عنك أن أسالك فقال لي: نعم. قال فاكتب إلي فيما بدا لك أو اسأل عما بدا لك. وفي رفع الأسرار لابن حجر في ترجمة أبي العباس بن أبي العوام السعدي ذكر لرجل مكفوف اسمه أبو الفضل جعفر وأنه (احكم له الأمر مع الحاكم فأمر بكتب سجله وشرط عليه فيه أنه إذا جلس في مجلس الحكم يكون معه أربعة من فقهاء الحاكم لئلا يقع الحكم بغير ما يذهب إليه الخليفة) (٢) , قال ظافر القاسمي وهذا النص يدل فيما أظن على أن الفقهاء الأربعة رقباء وليس لهم أن يشتركوا في الحكم ولكن إذا رأوا أن القاضي أراد الخروج عن مذهب الخليفة ردوه إليه. (٣)

قلت وفي حضور الفقهاء والعلماء مجلس قضاء القاضي فوائد جمة, ولو لم يكن إلا الاستشارة, ولا شك أن من شاور كثر صوابه, فما تشاور قوم إلا هُدُوا لأرشد أمرهم كما في السنة النبوية, وإذا كان التشاور في الأمور العامة هو ضرورة من الضرورات فإنه مما لا شك فيه أن القضاء من الأمور الهامة التي ينبغي ألا تغيب فيها الشورى, ولو لم يكن في ذلك إلا الاتباع لهدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم والاقتداء بسيرة الخلفاء الراشدين وأهل الفضل والعلم من أهل التقوى في هذه الأمة، إلا أن المشير في أمور القضاء يجب أن يكون من أهل العلم بأحكام الشريعة الإسلامية والقوانين المنظمة وأهل الفطنة والتقى فقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو المعني بالتبليغ والبيان والمثبَّت بالوحي كثير التشاور حتى قال أبو هريرة


(١) - انظر الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد بن منيع الزهري المتوفى عام ٢٣٠هـ ج ٤ - ص ١٢٢, طبعة دار إحياء التراث العربي ١٤٠٧هـ١٩٩٦م.
(٢) - انظر رفع الأسرار لابن حجر - ج١ - ص١٠٢.
(٣) - انظر نظام الحكم ٣٣١.

<<  <   >  >>