ويقول طه حسين في كتابه الفتنة الكبرى: كان الإسلام وما زال ديناً قبل كل شيء وبعد كل شيء يوجه الناس إلى مصالحهم في الدنيا والآخرة بما يبين لهم من الحدود والأحكام التي تتصل بالتوحيد أولاً وبتصديق النبي ثانياً، ويتوخى الخير من السيرة بعد ذلك ولكنه لم يسلبهم حريتهم ولم يملك عليهم أمرهم كله وإنما ترك لهم حريتهم في الحدود التي رسمها لهم ولم يحص عليهم كل ما ينبغي عليهم أن يفعلوا وكل ما ينبغي أن يتركوا وإنما ترك لهم عقولاً تستبصر وقلوباً تستذكر وأذن لهم أن يتوخوا الخير والصواب والمصلحة العامة ما وجدوا لذلك سبيلا، وقد أمر الله نبيه أن يشاور المسلمين في الأمر, ولو قد كان الحكم متنزلاً من السماء لأمضى النبي كل شيء بأمر ربه لم يشاور أحداً ولم يآمر فيه ولياً من أوليائه وقد قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مشورة أصحابه في غزوة بدر. وعن المشورة للاعتماد على رأي أصحابه صدر النبي حين أمر بحفر الخندق في غزوة الأحزاب، ولو أردنا أن نستقصي المواطن التي شاور فيها النبي أصحابه لطال بنا الحديث ولكن في هذه الأحاديث اليسيرة التي روينا فيها ما يكفي لإثبات أن الحكم في أيام النبي لم يكن ينزل من السماء في جملته وتفصيله، وإنما الوحي كان يوجه النبي وأصحابه إلى مصالحهم العامة والخاصة دون أن يحول بينهم وبين هذه الحرية التي تتيح لهم أن يدبروا أمرهم على ما يحبون في حدود الحق والخير والعدل. (١)
أما الأستاذ ظافر القاسمي في نظام الحكم في الإسلام فإنه عن كيفية تطبيق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للشورى أيام حياته يقول: نستطيع أن نقسم الشورى أيام الرسول إلى قسمين:
أولهما: شورى وقعت بناءً على طلب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم, أي أن الرسول هو الذي سأل الناس أن يشيروا عليه, وإن شئت سميتها بلغة العصر شورى إيجابية, ومن ذلك ما رواه الطبري من استشارة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه قبل غزوة أحد حيث قال إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لما سمع بنزول