المشركين من قريش واتباعها أحداً قال لأصحابه: أشيروا علي ما أصنع؟ فقالوا يا رسول الله اخرج بنا إلى هذا الأكلب فقالت الأنصار يا رسول الله ما غلبنا عدو قط أتانا في ديارنا فكيف وأنت فينا, فدعا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عبدالله بن أبي بن سلول ولم يدعه قط قبلها فقال يا رسول الله لا تخرج بنا إلى هذا الأكلب. وهكذا فإن الرسول استشار المهاجرين ثم الأنصار حتى رأس المنافقين عبدالله بن أبي بن سلول لم يهمل استشارته، ولقد رأيت اختلافهم بين الخروج من المدينة والبقاء فيها. يقول الطبري ثم إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم دعا بدرعه فلبسها فلما رأوه قد لبس السلاح ندموا وقالوا بئس ما صنعنا فقاموا فاعتذروا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقالوا اصنع ما رأيت فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (لا ينبغي لنبي أن يلبس لأمته فيضعها حتى يقاتل) , وهكذا لم تكن المشورة إلا درساً في السلوك لقنها النبي لأصحابه حتى حُفظ عنه أنه كان يردد في أكثر المناسبات قوله المشهور:(أشيروا عليَّ أيها الناس).
ثانيهما: شورى جاءته من بعض الصحابة ابتداءً من غير طلب وإن شئت سميتها بلغة اليوم شورى سلبية, وأورد ما حدث في غزوة بدر وما أشار عليه الحباب بن المنذر وقد سبق أن أوردناه فلا نعيده هنا وهو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذ برأي الحباب ابن المنذر وقال:(قد أشرت بالرأي).
وربما كان هناك نوع ثالث من الشورى ليس سلبياً وليس إيجابياً وإنما هو أمر بين بين كأن يعزم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على أمر من الأمور ويبدأ بالمفاوضة فيه حتى إذا حان إبرامه رأى أن يستشير فيشار عليه وبعد ذلك إما أبرمه وإما نقضه كالذي وقع خلال غزوة الخندق. (١) أي من استشارة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للسعدين بقصد مصالحة المشركين وتخذيلهم على شيء من ثمار المدينة، والمتتبع للهدي النبوي يجد أن الشورى في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إما أن تكون لعامة الناس وإما أن تكون لخاصتهم أو لوجهائهم الذين ينوبون عنهم في الغالب كما حدث في قصة استشارة