للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النبي صلى الله عليه وآله وسلم للسعدين، وكما ورد في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما (لو اجتمعتما على رأي لما خالفتكما) (١)، وقد تكون الاستشارة خاصة في أمر عام كما في قصة استشارة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لأم سلمة في الهدي بعد عقد صلح الحديبية، وقد سبق بيان ذلك وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذ برأيها, وقد تكون الاستشارة عامة في أمر خاص إذا تعلق ذلك بأمر هام وخطير يترتب عليه براءة أو إدانة، فقد جاء في صحيح مسلم والبخاري من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها في قصتها قالت: دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يسألهما ويستشيرهما في فراق أهله فأما أسامة فأشار بالذي يعلم من براءة أهله فقال: أهلك ولا نعلم إلا خيراً، وأما علي فقال: يا رسول الله لن يضيق الله عليك والنساء كثير وسل الجارية تصدقك. قال فدعا الرسول بريرة فقال: أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك؟ قالت له بريرة: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها أمراً قط أغمضه غير أنها جارية تنام عند عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر فقال: يا معشر المسلمين من يعذرني في رجل بلغني أذاه في أهلي والله ما علمت على أهلي إلا خيراً, وذكر براءة عائشة. (٢)

وجاء في رواية أخرى عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب الناس وحمد الله وأثنى عليه وقال: أيها الناس أشيروا علي في أناس آذوا أهلي وأيم الله ما علمت على أهلي من سوء قط، ولقد ذكروا رجلاً والله ما علمت عليه إلا خيراً وما كان يدخل على أهلي إلا معي, فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: يا رسول الله أنا أعذرك منه إن كان من الأوس ضربت عنقه وإن كان من إخواننا في الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. وساق البخاري القصة إلى أن ذكر نزول القرآن ببراءة عائشة رضوان الله عليها. (٣)

وهذه الأحاديث تدل على أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد استشار استشارة خاصة وذلك كما ورد في استشارته لعلي وأسامة رضي الله عنهما واستشار الصحابة في عقاب من يعمل على إشاعة مثل هذا الإفك بين الناس ولكن القرآن حكم ببراءة عائشة وبتحديد العقوبة فلم يبق للإجتهاد محل.

وهكذا نجد الاستشارة العامة والاستشارة الخاصة في عهد النبوة وفي عهد الخلفاء الراشدين, ففي قصة خروج عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الشام سنة ١٧هـ ذكر الطبري وغيره: أنه كان قد خرج غازياً حتى إذا كان بسر لقيه أمراء الأجناد فأخبروه أن الأرض سقيمة فرجع بالناس إلى المدينة، ونقل الطبري عن ابن عباس: خروج عمر رضي الله عنه ومعه المهاجرين والأنصار حتى إذا نزل بسر لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة فأخبروه أن الأرض سقيمة فقال عمر: اجمع لي المهاجرين الأولين, قال: فجمعتهم له, فاستشارهم, فاختلفوا عليه, فمنهم القائل: خرجت لوجه تريد الله وما عنده ولا نرى أن يصدك بلاء عرض لك, ومنهم القائل: أنه لبلاء وفناء ما نرى أن تقدم عليه, فلما اختلفوا عليه قال: قوموا عني ثم قال اجمع لي مهاجرة الأنصار, فجمعتهم, فاستشارهم, فسلكوا طريق المهاجرين, فكأنما سمعوا ما قالوا فقالوا مثله. فلما اختلفوا عليه قال: قوموا عني, ثم قال اجمع لي مهاجرة الفتح من قريش, فجمعتهم له فلم يختلف عليه منهم اثنان وقالوا: ارجع بالناس فإنه بلاء وفناء. فقال لي عمر: يابن عباس اصرخ في الناس فقل: إن أمير المؤمنين يقول لكم إني مصبح على ظهر, فأصبحوا عليه, قال: فأصبح عمر على ظهر وأصبح الناس عليه, فلما اجتمعوا عليه قال: أيها الناس إني راجع فارجعوا, فقال له أبو عبيدة بن الجراح: أفرار من قدر الله, قال نعم فرار من قدر الله إلى قدر الله, أرأيت لو أن رجلاً هبط وادياً له عدوتان إحداهما خصبة


(١) - سبق تخريجه.
(٢) - أخرجه البخاري في كتاب المغازي - باب حديث الإفك - حديث ٤١٤١ ومسلم في صحيحه كتاب التوبة - باب حديث الإفك حديث ٢٧٧٧.
(٣) - صحيح البخاري - كتاب التفسير - باب لولا إذا سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا. حديث رقم ٤٧٥٠.

<<  <   >  >>