للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكيف يدخل تحت هذه الآية (١) , ثم إن وقائع السيرة تشير إلى أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما قصر الشورى على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بعد غزوة أحد بل كان يستشير غيرهما من الصحابة رضي الله عنهم.

الاعتراض الثاني:

أن الأمر في الآية يدل على الندب وليس الوجوب وذلك لأن الله تعالى أمر الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمشاورة أصحابه لا لأجل أنه محتاج إليهم بل تطييباً لنفوسهم رضي الله عنهم فقد جاء في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (فقالت طائفة ذلك في مكايد الحروب وعند لقاء العدو وتطييباً لأنفسهم فما أمر الله نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالمشاورة لحاجة منه إلى رأيهم (٢) , وجاء في التفسير الكبير للرازي (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) لا لتستفيد منهم رأياً وعلماً (٣) , وللرد على ذلك نقول أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم في سيرته العملية كان يستفيد من آراء من يشيرون عليه, فقد أخذ برأي الحباب بن المنذر رضي الله عنه في موقع نزول الجيش في غزوة بدر, وأخذ برأي سلمان الفارسي رضي الله عنه بحفر الخندق حول المدينة في غزوة الأحزاب, وغيرها كثير من الوقائع, ثم إن مجال الشورى كما أوضحنا هو في غير الأمور الموحى بها من مثل أمور الحرب والأمور الدنيوية والتي تخضع لتجارب البشر وخبراتهم والله سبحانه وتعالى لم يخبر أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أعلم البشر في تلك الأمور، والفخر الرازي يقول في تفسيره فيما يرى من فوائد الأمر الإلهي للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالمشاورة: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإن كان (أكمل الناس عقلاً إلا أن علوم الخلق متناهية فلا يبعد أن يخطر ببال إنسان من وجه المصالح ما لا يخطر بباله) (٤).


(١) - انظر التفسير الكبير الفخر الرازي ج ٥، ص ٧٠.
(٢) - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج٢، ص ٢٣٥.
(٣) - التفسير الكبير للفخر الرازي ج ٥، ص ٦٩.
(٤) - التفسير الكبير للفخر الرازي ج٥ - ٦٩.

<<  <   >  >>