للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

علل فإنها تدل على وجوب الشورى لا على أنها مندوبة لأن استجلاب قلوب المؤمنين والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم واجب وبخاصة في القرارات المتعلقة بمصير الأمة ولا تتحقق أيضاً إلا إذا كانت الشورى واجبة (١).

أما الاستدلال بقوله جل وعلا (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) فقد قال الشيخ محمد رشيد رضا أن مجيء النص في الذكر بصيغة الخبر يؤكد كونه فرضاً حتماً (٢) , وقد نوقش هذا الاستدلال واعتُرِض عليه بأن هذه الآية تتحدث عن صفة من صفات الأنصار التي كانوا يتحلون بها قبل الإسلام وبعده؛ وهي أنهم كانوا لا يبرمون أمراً إلا بعد الشورى، قال أبوحيان الأندلسي في البحر المحيط قيل نزلت في الأنصار دعأهم الله للإيمان به وطاعته فاستجابوا له وكانوا قبل الإسلام وقبل أن يقدم الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم المدينة إذا نابهم أمر تشاوروا فأثنى الله عليهم لا ينفردون بأمر حتى يجتمعوا عليه (٣) , وقد رد على هذا خالد أبو سمرة بقوله أن النص مطلق وليس مقيداً بالشورى الخاصة بالأنصار, مستدلاً على ذلك بما قاله الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير حيث يقول: والمقصود منها ابتداءً هم الأنصار ... ومعنى ذلك أنه من المؤمنين الذين تأصل فيهم خلق الشورى ... وإذ قد كانت الشورى مفضية إلى الرأي والصواب وكان من أفضل آثارها أن اهتدى بسببها الأنصار إلى الإسلام أثنى الله بها على الإطلاق دون تقييد بالشورى الخاصة التي تشاور بها الأنصار في الإيمان وأي أمر أعظم من أمر الإيمان (٤).

ويقول الأستاذ سيد قطب: التعبير يجعل أمرهم كله شورى ليصبغ الحياة بهذه الصبغة, وهو كما قلنا نص مكي كان قبل قيام الدولة الإسلامية فهذا الطابع أعم وأشمل من الدولة في حياة المسلمين, إنه طابع الجماعة الإسلامية في كل حالاتها ولو كانت الدولة بمعناها الخاص لم تقم فيها بعد, ومن ثم كان طابع الشورى في الجماعة مبكراً وكان مدلوله أوسع


(١) - انظر حكم الشورى في الإسلام ونتيجتها للدكتور محمد أبو فارس ص ٣٨ - ٣٩.
(٢) - انظر المنار ج٤، ص ٤٦.
(٣) - انظر البحر المحيط ج٩، ص ٣٤٣.
(٤) - انظر الشورى في الإسلام لخالد أبو سمرة ص ٥١ , نقلاً عن التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور ج ٢٥، ص ١١١.

<<  <   >  >>