للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَّهُم مُّعْرِضُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (١).

أما إذا كان ولي الأمر هو الذي يسعى إلى تعطيل الشورى فإنه يكون قد فقد صفة من صفات المؤمنين أيضاً وأفقد رعيته تلك الصفة, فهو كما يقول الدكتور عبد الله أحمد قادري آثم من جهتين من جهة فقده تلك الصفة متعمداً ومن جهة إفقاده رعيته ذلك ويكون عاصياً لله تعالى بترك تنفيذ أمره بالشورى في قوله تعالى (وشاورهم في الأمر) وفاقداً للإقتداء برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في تنفيذ الأمر؛ مع أن غير الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحوج إلى تنفيذه منه.

قلت وينطبق على من يعطل الشورى قول الحق تبارك وتعالى (وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً) الأحزاب آية - ٣٦.

المفسدة الثانية: أن الذي لا يعمل بالشورى يعتسف الأمور اعتسافاً في الغالب ويتصرف خطأً لعدم اجتهاده في الوصول إلى الصواب عن طريق الذين هم مظنته وهم أهل الشورى, وقد أمر الله برد الأمور إلى أهل الخبرة والرأي وأهل العلم في أكثر من آية وذلك في مثل قوله تعالى (وَلَوْ رَدُّوهُ إلى الرَّسُولِ وَإلى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ) (٢) , وقوله تعالى (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) (٣) , وقوله تعالى (فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً) (٤) , فهو يحرم نفسه من الخبرات التي اكتسبها أهلها لعدم لقائهم ومناقشتهم ذلك (٥) , وهو في ذلك في حكم الخارج عن الجماعة لاستبداده برأيه واتباعه لهوى نفسه وقد جاء في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه (ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى مؤمناً ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه) (٦) , وقد ذكر الدكتور علي سعيد الغامدي بأن ترك العمل بالشورى يفضي إلى اعتساف الأمور والوقوع في الخطأ وعدم الاستفادة من آراء الآخرين وخبراتهم.

المفسدة الثالثة: شعور الرعية باستبداد الراعي وأنه لا يكترث بأمورهم وما يهمهم, وفي ذلك سوء ظن يترتب عليه عدم الأخذ بالقرارات وتطبيقها وعدم إخلاصهم وتعاونهم معه فلا يكون قوي الجانب في تصرفاته لعدم وقوفهم معه وعدم ثقتهم به.

المفسدة الرابعة: أن ترك الشورى يفضي إلى الوحشة والجفاء بين الراعي والرعية ليوسع دائرة الجفاء ويوسع الجفاء دائرة الخلاف بينهم الذي ربما أفضى إلى التنازع المفضي إلى الفساد والفشل المنهي عنه بقوله تعالى: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهبَ ريحكم).

المفسدة الخامسة: هي في أن تارك الشورى يسن سنة سيئة لمن يأتي بعده؛ لأن من يأتي بعده إن وجد السبيل للتشاور سلك المسلك نفسه وإن وجده مقفلاً وميسراً للاستبداد فلا يصعبن عليه ركوبه وإنما يرضى لنفسه ويغضب لها وليس لله (٧) وقد قال جل شأنه (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أو يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ففي اتباع أمر الله والتشاور في كل ما من شأنه إصلاح شؤون البلاد والعباد فيه نفع عظيم, وإن من أعظم الكوارث أن يكون بين أمراء الأمة وقادتها من يرضى أو يغضب لنفسه في شؤون الحكم ولا يرضى ويغضب لله, وهذا ما حذر منه ذو عمرو اليمني جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه عندما علم ذو عمرو بوفاة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما روى جرير قال كنت في اليمن فلقيت رجلين من أهل اليمن ذا كلاع وذا


(١) - الأنفال الآيات: من ٢٠ - ٢٨.
(٢) - النساء الآية ٨٣.
(٣) - النحل الآية ٤٣.
(٤) - الفرقان الآية ٥٩.
(٥) - الشورى للدكتور عبد الله قادري - مصدر سابق ص ١٥٢ بتصرف.
(٦) - صحيح مسلم كتاب الإمارة باب وجوب ملزمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن حديث (١٨٤٨).
(٧) - انظر فقه الشورى - مصدر سابق- ص ٢١٤.

<<  <   >  >>