للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذكر الثعالبي في تحفة الوزراء أن المشورة يستعان بها في تدابير السياسة، والسياسة نظام الدولة التي بها بقاء الدولة واستمرارها, فإذا ضعفت الآلة أو فسدت أدى ذلك إلى ضعف الدولة وفسادها (١). وهذه القاعدة تنطبق على كل القرارات في شتى مجالات الحياة، فضعف المجالس التشريعية والتعجل في إصدار القوانين دون إدراك عدم ملاءمتها للحياة يضعف الدولة ويؤدي إلى تهالكها وفسادها.

فالتأنّي والتثبت ودراسة الأمور من جميع جوانبها عند التصويت ووضع مواد القانون هو مما يرشد إليه العقل وتقتضيه فطنة الرجل الذكي، وقد جاء في الحديث: (استرشدوا العقل ترشدوا ولا تعصوه فتندموا) (٢) وجاء في منثور الحكم "كل شيء يحتاج إلى العقل، والعقل يحتاج إلى التجارب" (٣) ومعلوم أن الشورى لا تكون إلا مع أهل الخبرة والعلم بحقائق الأمور ولا يكون الإنسان من أهل الخبرة والعلم إلا إذا كان ملمّاً بواقع ذلك الأمر ومطّلعاً عليه وعلى حقيقته قبل إصداره، وقد أحسن الشاعر حيث يقول: ...

إذا كنت في حاجة مرسلاً ... فأرسل حكيماً ولا توصهِ

وإن باب أمر عليك التوى ... فشاور لبيباً ولا تعصه

ونص الحديث إلى أهله ... فإن الوثيقة في نصه

إذا المرء أضمر خوف الإله ... تبين ذلك في شخصه

وإن ناصح منك يوماً دنا ... فلا تنأى عنه ولا تعصه

ورحم الله المأمون فإنه أوصى ولده وعلمه بقوله: استشر ذوي التجريب والحيلة، فإنهم أعلم بمصادر الأمور وتقلبات الدهور، وأطيعوهم وتحملوهم فيما يغلظونه من قول أو يكشفونه من عيب لما ترجونه من حالة تصلح وفتق يرتق (٤).


(١) - انظر الثعالبي في تحفة الوزراء - الطبعة الأولى ص ٨٦.
(٢) - رواه أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة وانظر الماوردي في أدب الدنيا والدين ص ٢٧٢ - الطبعة الأولى.
(٣) - الماوردي في أدب الدنيا والدين ص ٢٧٥.
(٤) - تحفة الوزراء ص ٨٩.

<<  <   >  >>