ولا شك أن هناك أهل اختصاص وخبرة يجب أن تُرجع إليهم لأن أمور التشريع مما تحتاج إلى إلمام ومعرفة, ولذلك فإنه ينبغي أن تعتمد مجالس التشريع في الشورى على أصحاب الإختصاص فلا يتعجل التصويت قبل أخذ رأيهم في المسائل المعروضة التي تحتاج إلى نوع من المعرفة والخبرة, ففي شؤون الدين والأحكام يستشار علماء الدين, وفي شؤون العمران والهندسة والتخطيط يستشار المهندسون، وفي شؤون الصناعة والتجارة يستشار خبراء التجارة والصناعة، وفي شؤون الزراعة والأمن يستشار خبراء الزراعة ورجال الأمن, وهلم جراً، غير أنه في كل الأحوال لا بد من توجيه الأنظار إلى أنه من الضرورة بمكان أن يكون علماء الشريعة الإسلامية قاسماً مشتركاً في كل هذه الشؤون حتى لا يخرج المستشارون في تقرير السياسات المتنوعة عن حدود الشريعة.
٢ - الاستقلال في إبداء الرأي والتجرد من الهوى: معلوم أن الكلمة مسؤولية في كل الأحوال فكيف إذا تعلق بإبدائها شأن عام من شؤون الأمة, فإنه يجب حينئذ أن تكون مستقلة متوازنة مجردة للمصلحة العامة خالية من نزعات الهوى والتعصب، فقد عني الإسلام عناية فائقة بمنزلة الكلمة وأثرها سواءً كانت طيبة أم خبيثة. قال تعالى:(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ* يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ * وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ)(١). فالكلمة الطيبة ثابتة عميقة الجذور في تربة صالحة ومنبت طيب, ولهذا فهي تنمو وترتفع حتى تبلغ السماء، وهي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، أما الكلمة الخبيثة فهي مبتورة عن العقيدة والإيمان قليلة مضطربة لا قرار لها فهي سرعان ما تسقط، وهي لا تثمر إلا الشر والفرقة والقطيعة ولهذا كان الإنسان مسؤولاً عن رأيه في كل الأحوال فما بالك في الرأي الذي يتعلق بشؤون