للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشورى في حقه صلى الله عليه وآله وسلم واجبة، فهي من باب أولى واجبة في حق غيره، فالله عليم حكيم بما يصلح أحوال الناس، وقد علم أن شواغل الحياة وأمور التعامل بين الناس واختلاف أحوالهم وتنوع المعارف، كل ذلك لا يخلو من مشكلة تفرزها طبيعة الحياة التي فطر الله الناس عليها، وحلها ضرورة لا بد منها.

فإن كان ذلك لمصلحة فرد فربما استعصى الحل عليه بمفرده، فكان لا بد من إشراك غيره من أهل الخبرة والإختصاص في حلها وأن يشاركه في الرأي ليكون الحل قد جاء على الوجه المطلوب وتعرف على صوابه , وإن كان الأمر متعلقاً بمصلحة عامة، وجب أن لا تحل بالاستبداد في الرأي حتى لا تتعرض المصلحة العامة لأي خطءٍ ولا تضيع حقوق ومصالح الأمة، وكان من الضرورة أن يصار في ذلك إلى مشاركة ذوي العقول الراجحة من ذوي الخبرة والإختصاص ليتناولوها ببصيرة ويجال الرأي فيها عن علم ودراية، لتكون النتيجة سليمة وصائبة، ولذلك ندب الشارع إلى الشورى في تدبير الأمور وتوخي المصالح، لتكون إلى الصواب أقرب وعن الزلل أبعد، ويكون النجاح مضموناً في الغالب الأعم في تحقيق مصالح الأمة، وفي ذلك ما يكفي للتدليل على أهمية الشورى، مما يدعو إلى الأخذ بها ليكون الإنسان قد استجاب لله وأمن الوقوع في المهالك, وقد جاء في العقد الفريد:

الرأي كالليل مسوداً جوانبه ... والليل لا ينجلي إلا بإصباح

فاضمم مصابيح أراء الرجال إلى ... مصباح رأيك تزدد ضوء مصباح (١)

فالشورى في حقيقة الأمر تعني توزيع المسؤولية حتى لا تقع على كاهل فرد واحد، فالجميع يتقاسمون المسؤولية، فلا يتلاوم الناس فيما بينهم ويتنافرون ويتشاجرون، ولا يرمي أحد بالنتيجة على الآخر , وإن كانت النتيجة سيئة، والشورى تعتبر مع ذلك خير وسيلة تدرب المستشار على المساهمة في الحكم والإدارة وتشركه فيه، وبها الوصول للرأي المحمود الذي ينصلح به حال الأمة وتحل به مشاكلها. وقد جاء في العقد الفريد أن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، ذكر في المشورة سبع خصال: استنباط الصواب،


(١) - أورد هذين البيتين العلامة والأديب الكبير أحمد بن محمد بن عبدربه الأندلسي في العقد الفريد, ج١ص٦٠ ,طبعة دار إحياء التراث العربي ومؤسسة التاريخ العربي, بيروت, لبنان, ووردت في الموسوعة الشعرية للكاتب والأديب والواعظ والخطيب بدر بن عبدالله بن عبدالكريم الناصر ص١٤٥ الناشر دار العاصمة الرياض المملكة العربية السعودية الطبعة الأولى ١٤٢٧هـ٢٠٠٦م

<<  <   >  >>