للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عبارة عن إخبار عن أتمهم وأصلحهم وليس فيه ما يدل على وجوب اختيار الأئمة من قريش فهو كحديث (القضاء في الأنصار والأذان في الحبشة والأمانة في الأزد) (١) , وهو حديث صحيح ولم يقل أحد أن هذا الحديث يدل على وجوب اختيار المؤذنين من الحبشة أو القضاة من الأنصار أو الأمناء من الأزد، غاية ما يؤخذ منه أن يقال أن أفضل المؤذنين من الحبشة وأفضل القضاة من الأنصار أو أصلحهم, قال المقبلي: إن حديث الأئمة من قريش خبر محض عن الواقع. وقال: إن الحاصل أن الصحابة فعلوا فعلاً وجدوه أقرب شيء في تلك الحادثة إلى تحصيل المقصود فأخذ الناس الواقعات شروطاً ولا يلزم من الوقوع الوجوب (٢).

فالأمة هي المعهود إليها في اختيار من يحكمها سواءً كان ذلك عن طريق البيعة أو الانتخاب أو الاستفتاء، أما ولاية العهد فإنها أخذاً مما فعله الخليفة الراشد أبي بكر الصديق رضي الله عنه في عهده لعمر رضي الله عنه فإنها لا تزيد عن كونها ترشيحاً وتزكية، وقد قال ابن تيمية في كتابه منهاج السنة: وكذلك عمر لما عهد إليه أبو بكر إنما صار إماماً لمّا بايعوه وأطاعوه ولو قدر أنهم ينفذون عهد أبي بكر ولم يبايعوه لم يصر إماماً (٣) ثم يكرر ابن تيمية هذا المعنى في موضع آخر فيقول: وأما عمر فإن أبا بكر عهد إليه وبايعه المسلمون بعد موت أبي بكر فصار إماماً لما حصلت له القدرة والسلطان بمبايعتهم (٤).

وعلى ذلك فإن ولاية العهد بتكييفها الشرعي لا تنافي حق الأمة في الاختيار مطلقاً فمن رُشِّح لولاية العهد احتاج إلى بيعة الأمة الصريحة ليكون خليفة، إذاً فالشورى هي التي تحسم الأمر إما بيعة وإما انتخاباً مباشراً عن طريق الاقتراع والاستفتاء أو توكل هذه المهمة الكبرى إلى من يمثلون الأمة في مجالس النواب فالأمر شورى في ذلك كله، وسنأتي على مزيد بيان عند ذكرنا لأهل الشورى وإلزامية الشورى. وبهذا العرض البسيط يتبين لنا كيفية إسناد أعلى وظيفة في الدولة من مدرسة الشورى الإسلامية.


(١) - أخرجه أحمد والترمذي من حديث أبي هريرة وأورده السيوطي في الجامع الصغير ورمز له بالصحة حديث ٩٢٣٥.
(٢) - انظر المنار في المختار من جواهر البحر الزخار - حاشية العلامة المجتهد صالح بن مهدي المقبلي على البحر الزخار - ج ٢ - ص ٤٦٤.
(٣) - منهاج السنة النبوية ج ١ - ص ١٤١ الطبعة الأولى.
(٤) - منهاج السنة ١/ ١٤٦.

<<  <   >  >>