روى عن أبي جعفر بن زرق الفقيه، وتفقه معه، وعن أبي مروان بن سراج، وأبي عبد الله محمّد بن خيرة، وأبي عبد الله محمّد بن فرج، وأبي علي الغساني، وأجاز له أبو العباس العذري ما رواه؛ وكان فقيهاً عالماً، حافظاً للفقه، مقدماً فيه على جميع أهل عصره، عارفاً بالفتوى على مذهب مالك وأصحابه، بصيراً بأقوالهم، واتفاقهم واختلافهم، نافذاً في علم الفرائض والأصول، من أهل الرياسة في العلم، والبراعة والفهم، مع الدين والفضل، والوقار والحلم، والسمت الحسن، والهدي الصالح.
سمعت الفقيه أبا مروان عبد الملك بن مسيرة يقول: شاهدت شيخنا القاضي أبا الوليد يصوم يوم الجمعة دائماً، في الحضر والسفر. ومن تواليفه كتاب " المقدمات الأوائل كتب المدونة "، و " كتاب البيان والتحصيل، لمّا في المستخجة من التوجيه والتعليل "، و " اختصار المبسوطة "، و " اختصار مشكل الآثار " للطحاوي، إلى غير ذلك من تواليفه. سمعنا عليه بعضها، وأجاز لنا سائرها وتقلد القضاء بقرطبة وسار فيه بأحسن سيرة، وأقوام طريقة، ثم استعفى عنه فأعفي، ونشر كتبه وتواليفه، ومسائله وتصانيفه، وكان الناس يلجئون إليه ويعولون في مهماتهم عليه، وكان حسن الخلق، سهل اللقاء، كثير النفع لخاصته وأصحابه جميل العشرة لهم، حافظاً لعهودهم، كثير البر بهم، وتوفى عفا الله عنه ليلة الأحد، ودفن عشى يوم الأحد الحادي عشر من ذي القعدة، سنة عشرين وخمس مائة، ودفن بمقبرة العباس، وصلى عليه ابنه أبو القاسم، وشهده جمع عظيم من الناس، وكان الثناء عليه حسناً جميلاً.