وبالجملة فكان جمال العصر، مفخر الأفق، وينبوع المعرفة، ومعدن الإفادة، وإذا عدت رجالات المغرب، فضلا عن الأندلس، حسب فيهم صدرا. انتهى. وإنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذووه أهل الفضل.
وكان رحمه الله تعالى معظما للسنة، عالما عاملا، خاشعا قانتا، قوالا للحق، لا يخاف في الله تعالى لومة لائم. وكان رحمة الله معتنيا بضبط الألفاظ النبوية على اختلاف طرقها، وكتابه " المشارق " أزكى شاهد على ذلك، ولقد كان بعض من لقيته من صلحاء عصرنا وعلمائه يقول: لا أحتاج في كتب الحديث إلاّ للمشارق، فإذا كان عندي، أبالى بما فقدت منها، أو كلاهم هذا معناه. وسنذكر إن شاء الله تعالى بعض ما قيل في كتاب المشارق في محله من هذا الموضوع.
وكان رحمه الله حاضر الجواب حاد الذهن، متوقد الذكاء جامعا للفنون آخذا منها بالحظ الأوفر.
وكان القاضي أبو الفضل عياض رحمه الله بارع الخط المغربي، وقد وقفت على خطه رحمه الله، فرأيت خطأ رائقا، وكان سريع الوضع، ويدل على ذلك كثرة أوضاعه، وكتب مع ذلك كتب كثيرة بيده.
وكان رحمه الله تعالى حسن العبارة لطيف الإشارة، وتآليفه شاهدة بذلك، وله في الفقه المالكي اليد الطولي، وعليه المعول في حل ألفاظ المدونة وضبط مشكلاته، وتحرير رواياتها، وتسمية رواتها. وتحقيق ذلك أنه جمع بين شرح المعاني وإيضاحها، وضبط الألفاظ، وذكر من رواها من الحفاظ.
[صناعة التأليف بالمغرب]
ولقد وقف في بعض التعاليق لأحد المتأخرين على كلام في صناعة