كثير التحرير للنقول، وقد انتفع به من العلماء ما لا يحصى، كأبي زيد عبد الرحمن بن القصير، المتقدم الذكر.
وممن أخذ عنه القاضي الشهير أبو جعفر أحمد بن عبد الله الرحمن بن مضاء اللخمي رحمه الله، وقد قدمنا أنّه لقيه بالمرية.
وكان القاضي أبو الفضل رحمه الله تعالى وقورا، ذا سمت حسن، وهدي مستحسن، وربما تقع منه دعابة، كما تصدر من الفضلاء أمثاله.
ومن دعابته ما حكاه ولده، قال: قال بعض أصحابنا: صنعت أبياتا تغزلت فيها، والتفت إلى أبيك رضي الله عنه، ثم اجتمع بي، فاستشهدني إياها، فوجمت، فعزم علي، فأنشدته:
أيا مكثرا صدى ولم آت جفوة ... وما أنا عن فعل الجفاء براضي
سأشكو الذي توليه من سوء عشرة ... إلى حكم الدنيا وأعدل قاضي
ولا حكم بيني وبينك أرتضي ... قضايا في الدنايا سوى ابن عياض
قال: فلما فرغت حسن وقال: ومتى عرفتني قوادا يا فلان، على طريق المداعبة، رحمه الله تعالى، ورضي عنه وأرضاه.
وكان القاضي أبو الفضل رحمه الله تعالى كثير الاعتناء بالتقييد والتحصيل.
قال ابن خاتمة: كان لا يبلغ شأوه، ويدرك مداه، في العناية بصناعة الحديث، وتقييد الآثار، وخدمة العلم، مع حسن التفنن فيه، والتصرف الكامل في فهم معانيه، إلى اضطلاعه بالآداب، وتحققه بالنظم والنثر، ومهارته في الفقه، ومشاركته في اللغة العربية.