وقد كان أيام حياته توجه إلى المغرب، إثر الكائنة التي كانت بين المسلمين والنصارى، بالموضع المعروف بالربنيول، وذلك في منتصف شهر صفر عام عشرين وخمس مائة، فاستخار القاضي أبو الوليد في النهوض إلى المغرب، مبيناً لمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين، ما الجزيرة عليه، فوصل إليه فلقيه أكرم لقاء، وبقي عنده أبر بقاء، حتى استوعب في مجالس عديدة، إيراد ما أزعجه إليه، وتبين ما أوفده عليه، فاعتقد ما قرره لديه؛ وانفصل عنه، وعاد إلى قرطبة، فوصلها آخر جمادى الأولى من السنة المذكورة، وعلى اثر ذلك أصابته العلة التي أضجعته، إلى أنْ أفضت به قضاء نحبه، ولقاء المرتقب من محتوم لقاء ربه، وتبارى الأدباء والشعراء في تأبينه؛ وحق لهم ذلك، رضى الله عنه وأرضاه.
[ومن أشياخ القاضي أبي الفضل عياض:]
الشيخ أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن خلف بن إبراهيم التجيني الرطبي، الشهير بابن الحاج، قاضي الجماعة بقرطبة. روى عن أبي جعفر أحمد بن زرق الفقيه، وتفقه عنده، وقيد الغريب واللغة والأدب عن أبي مروان عبد الملك ابن سراج، وسمع عن أبي عبد الله محمّد بن فرج الفقيه، وعن أبي علي الغساني وغيرهم. وكان من جلة الفقهاء، وكبار العلماء، معدوداً في المحدثين والأدباء، بصيراً بالفتيا، رأساً في الشورى، وكانت الفتيا في وقته تدور عليه، لمعرفته وثقته وديانته، وكان معتنياً بالحديث والآثار، جامعاً لها، مقيداً لمّا أشكل من معانيها، ضابطاً لأسماء رجالها ورواتها، ذاكراً للغريب والأنساب، واللغة