والأعراب، وعالماً بمعاني الأشعار والسير والأخبار. قال ابن بشكوال: قيد العلم عمره كله، وعنى به عناية كاملة، ما أعلم أحداً في وقته عنى كعنايته، قرأت عليه وسمعت، وأجازني بخطه؛ وكان له مجلس بالجامع بقرطبة، يسمع الناس فيه، وتقلد القضاء بقرطبة مرتين، وكان في ذاته ليناً صابراً، حليماً متواضعاً، لم يحفظ له جور في قضية، ولا ميل بهوى، ولا إصغاء إلى عناية، وكان كثير الخضوع والذكر لله تعالى، ولم يزل آخر عمره يتولى القضاء بقرطبة، إلى أنْ قتل ظلماً بالمسجد الجامع بقرطبة، يوم الجمعة وهو ساجد، لأربع بقين من صفر، من سنة تسع وعشرين وخمس مائة، ومولده في صفر سنة ثمان مثال خمسين وأربع مائة. وكتابه في نوازل الأحكام، المتداول لهذا العهد بأيدي الناس: من الدلائل على تقدمه في المعارف وبراعته. تغمدنا الله وإياه برحمته.
[ومن أشياخ القاضي أبي الفضل عياض رحمه الله:]
القاضي الشهير الحافظ الإمام أبو بكر محمّد بن عبد الله بن محمّد بن عبد الله ابن أحمد بن العربي المعافري الأشبيلي، رحل إلى المشرق مع أبيه يوم الأحد، مستهل شهر ربيع الأول سنة خمس وثمانين وأربع مائة، فدخل الشام، ولقي بها أبا بكر محمّد بن الوليد الطرطوشي، وتفقه عنده، ورحل إلى الحجاز في موسم سنة نسع وثمانين، ودخل بغداد مرتين، وصحب أبا بكر الشاشي، وأبا حامد الطوسي الغزالي، وغيرهما من العلماء والأدباء، فأخذ عنهم، ثم صدر عن بغداد، ولقي بمصر والأسكندرية جماعة، ثم عاد إلى الأندلس سنة ثلاث وتسعين، وقدم إلى إشبيلية بعلم كثير، لم يدخل به أحد قبله، ممن كان له رحلة إلى المشرق،