ولذا نقل عنه أنَّه قال: كل من رحل لم يأت بمثل ما أتيت به أنا والقاضي أبو الوليد الباجي، أو كلاهما هذا معناه. أو قال: لم يرحل غيري وغير الباجي، وأما غيرنا فقد تعب، أو نحو هذا، مما لم تحصني عباراته الآن.
وكان من أهل التفنن في العلوم، متقدما في المعارف كلها، متكلماً في أنواعها، حريصاً على نشرها. واستقصى بمدينة إشبيلية، فقام بما قلد أحمد قيام، وكان من أهل الصرامة في الحق، والشدة والقوة على الظالمين، والرفق بالمساكين، ثم صرف عن القضاء، وأقبل على نشر العلم وبثه.
قال المحدث أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال: قرأت عليه بإشبيلية، وسألته عن مولده، فقال لي: ولدت ليلة الخميس لثمان بقين من شعبان سنة ثمان وستين وأربع مائة؛ وتوفي رحمه الله بالعدوة، ودفن بمدينة فاس في ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وخمس مائة. انتهى.
وقال ابن بشكوال أيضاً في حقه: هو الحافظ المستبحر ختام علماء الأندلس وآخر أئمتها وحفاظها. انتهى.
ومن تكملة المحدث أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن الأبار، عن أبي عبد الله بن مجاهد الإشبيلي الزاهد العابد: أنَّه لازم القاضي أبا بكر بن العربي نحواً من ثلاثة أشهر، ثم تخلف عنه، فقيل له في ذلك، فقال كان يدرس وبغلته عند الباب، ينتظر الركوب إلى السلطان. انتهى.
وذكره الأستاذ أبو محمّد أحمد بن إبراهيم بن الزبير في صلته، وقال فيه: رحل مع أبيه أبي محمّد عند انقراض الدولة العبادية إلى الحج، سنة خمس وثمانين وأربع مائة، وسنه إذ ذاك نحو سبعة عشر عاماً، فلقى شيوخ مصر؛ وعدد أناساً ثم قال: وقيد الحديث، وضبط ما روى، وأتسع في الرواية