وأتقن مسائل الخلاف والأصول والكلام، على أئمة هذا الشأن، وعاد إلى بغداد بعد دخولها، وانصرف إلى الأندلس، فأقام بالإسكندرية، فمات أبوه بها أوّل سنة ثلاث وتسعين. ثم انصرف إلى الأندلس، فسكن بلده إشبيلية، وشوور فيه، وسمع ودرس الفقه والأصول، وجلس للوعظ والتفسير، وصنف في غير فن تصانيف مليحة، حسنة مقيدة، وولى القضاء مدة، أولها في رجب من سنة ثمان وعشرين، فنفع الله به، لصرامته ونفوذ أحكامه، والتزم الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، حتى أوذي في ذلك، بذهاب كتبه وماله، فأحسن الصبر على ذلك كله، ثم صرف عن القضاء، وأقبل على نشر العلم وبثه، وكان فصيحاًحافظاً، أديباً شاعراً، كثير الملح، مليح المجلس.
ثم قال: قال القاضي أبو الفضل عياض بن موسى - وقد وصفه بما ذكرته - ثم قال: ولكثرة حديثه وأخباره، وغريب حكاياته ورواياته، أكثر الناس فيه الكلام، وطعنوا في حديثه، وتوفي منصرفه من مراكش، من الوجهة التي توجه فيها مع أهل بلده إلى الحضرة، بعد دخول مدينة إشبيلية، فحبسوا بمراكش نحو عام، ثم سرحوا، فأدركته منيته بطريقه، على مقربة من فاس بمرحلة، وحمل ميتاً إلى مدينة فاس، فدفن بها، بباب الجيسة.
قال: وروى عنه الجم الغفير. فمن جملة من روى عنه من علماء المائة الخامسة، القاضي أبو الفضل عياض بن موسى، وأبو جعفر بن الباذش، وطائفة. انتهى.
قال القاضي أبو الحسن بن الحسن النباهي في كتاب " المرقبة العليا، في القضاء والفتيا " بعد أنْ ذكر ما قدمناه، ما نصه: والصحيح في القاضي أبي بكر