قال ابن الأبار: وقد ذكره أبو القاسم بن عساكر في تاريخه، لدخوله الشام. قال: وبعد أنْ استقرت به النوى، واستمرت إفادته بما قيد وروى؛ رفعته ملوك أوانه، وشفعته في مطالب إخوانه؛ فأوسعته رعياً، وحسنت فيه رأياً؛ ومن ابنائهم من جعل يقصده، لسماع مسنده. وعلى وقاره الذي كان به يعرف، ندر له مع بعضهم ما يستظرف، وهو أنْ فتى منهم يسمى يوسف، لازم مجلسه، معطراً رائحته، ومنظفاً ملبسه، ثم غاب لمرض قطعه، أو شغل منعه؛ ولمّا فرغ أو أبل، عاود ذلك النادي المبارك والمحل؛ وقبل إفضائه إليه دل طيبه عليه؛ فقال الشيخ، على نزاهته من المجون، وسلامته من الفتون:" إني لأجد ريح يوسف لولا أنْ تفندون ". وهي من طرف نوادره، رحمة الله عليه.
ولمّا قلد الشيخ أبو عليّ قضاء مرسية، وعزم عليه في توليه، ولم يوسعه عذراً في استعفائه مقدمه لذلك وموليه؛ خرج منها إلى المرية، فأقام بها، سنة خمس وبعض سنة وخمس مائة. وفي سنة ست قبل قضاءها على كره، إلى أنْ استعفى آخر سنة سبع، في قصة يطول إيرادها. ولطول مقامه بالمرية أخذ الناس عنه فيها، فلما كانت وقعة كتندة، ويقال قتندة بالقاف، من خيز دورقة، من عمل سرقسطة، من الثغر الأعلى، وذلك سنة أربع عشرة وخمس مائة وكان الشيخ أبو هلي ممن حضرها هو وقرينه في الفضل أبو عبد الله بن الفرج، خرجا مع الأمير إبراهيم بن يوسف بن تاشفين غازيين، فكانا فيمن فقد فيها واختلف فيها أصحابه، فجعلها أبو جعفر بن الباذش بعد العصر، من يوم الأربعاء السابع عشر من ربيع الآخر، من السنة المذكورة، وتابعه أبو عبد الله بن عبد الرحيم؛ وجعلها القاضي أبو الفضل عياض بن موسى يوم الخميس، لست