للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ابن الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، قَدِمَهَا وَهِيَ أَوْبَأُ أَرْضِ اللَّهِ مِنَ الْحُمَّى، فَأَصَابَ أَصْحَابَهُ مِنْهَا بلاءٌ وسقمٌ وَصَرَفَ اللَّهُ ذَلِكَ عَنْ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وبلالٌ مَوْلَيَا أَبِي بكرٍ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فِي بيتٍ واحدٍ، فَأَصَابَتْهُمُ الْحُمَّى فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمْ أَعُودُهُمْ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ، وَبِهِمْ مَا لا يَعْلَمُهُ إِلا اللَّهُ مِنْ شِدَّةِ الْوَعَكِ، فَدَنَوْتُ مِنْ أَبِي بكرٍ فَقُلْتُ: كَيْفَ تَجِدُكَ يَا أَبَهْ، فَقَالَ:

كُلُّ امرئٍ مصبحٌ في أهله ... والموت أدنى من شراك نعليه

قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ مَا يَدْرِي أَبِي مَا يَقُولُ، قَالَتْ: ثُمَّ دَنَوْتُ إِلَى عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ، فَقُلْتُ: كَيْفَ تَجِدُكَ يَا عَامِرُ فَقَالَ:

لَقَدْ وَجَدْتُ الْمَوْتَ قَبْلَ ذَوْقِهِ ... إِنَّ الْجَبَانَ حَتْفُهُ مِنْ فَوْقِهِ

كُلُّ امرئٍ مجاهدٍ بِطَوْقِهِ ... كَالثَّوْرِ يَحْمِي جِلْدَهُ بِرَوْقِهِ

قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ مَا يَدْرِي عامرٌ مَا يَقُولُ، قَالَتْ: وَكَانَ بلالٌ إِذَا تَرَكَتْهُ الْحُمَّى اضْطَجَعَ بِفِنَاءِ الْبَيْتِ ثُمَّ رَفَعَ عَقِيرَتَهُ، فَقَالَ:

أَلا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بوادٍ وَحَوْلِي إذخرٌ وَجَلِيلُ

وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مجنةٍ ... وَهَلْ تَبْدُوَنْ لِي شامةٌ وَطَفِيلُ

قَالَتْ عَائِشَةُ: فَذَكَرْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا سَمِعْتُ مِنْهُمْ، وَقُلْتُ: إِنَّهُمْ لَيَهْذُونَ وَمَا يَعْقِلُونَ مِنْ شِدَّةِ حَرِّ الْحُمَّى، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَمَا حَبَّبْتَ إِلَيْنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّهَا وَصَاعِهَا، وَانْقِلْ وَبَاءَهَا إِلَى مَهْيَعَةَ)) وَمَهْيَعَةُ الْجَحْفَةُ.

<<  <   >  >>