أتى من مصر أمير له ستة أيام عنها، وأخبر أن طومان باي الدودار الكبير دخل من الصعيد إلى مصر بعسكر كثير، وتلقاه منها خلق كثير، فحاصر قلعة مصر، وقبض على قنبك الرماح، وعلى ططر الذي ولي الدوادارية مكانه، وعلى جماعة أخر، وأن الأمير الكبير جان بلاط نزل إليه طائعاً؛ وأرسل يستحث النائب في الحضور إلى مصر، وأنه قتل خلق كثير.
وفي يوم الأحد ثامنه شاع بدمشق أن السلطان الملك الظاهر المنتصب، اختفى من قلعة مصر، قيل خرج منها في زي امرأة وتسحب، فالله يحسن العاقبة.
وفيه سافر خير بك نائب غزة الذي خلع عليه النائب، مع نائب صفد، وخرج الناس لوداعه، وأخرج معه جماعة من المماليك إعانة له
وفي يوم الثلاثاء عاشره، وهو عالشر تموز، عيد الناس؛ وخرج النائب إلى المصلى في أبهة حفلة على العادة، وخطب على منبر المصلى القاضي الشافعي، وخطب للملك الأشرف، فلما فرغ من الخطبة خلع عليه خلعة حمراء بمقلب سمور خاص، وعلى المرقي خلعة أخرى حمراء صوف؛ ثم خرج النائب على العادة إلى المنحر، ونحو أضحية كثيرة، ثم ركب والقضاة والباش والأمراء المصرية ورجع على العادة.
وفي ليلة الأربعاء حادي عشره رجع إلى دمشق دوادار النائب، الذي كان خرج بالعسكر إلى غزة، وقد تفرق جماعته عنه بغير صنجق، ولا أبهة، بل خفية ليلاً.
وفي هذه الأربعاء شاع أيضاً بدمشق، أن السلطان قانصوه الظاهر خلع نفسه بحضرة تنبك الجمالي وغيره، لما سمع بأن طومان باي الدوادار الكبير قبض على قنبك الرماح، وعلى ثلاثة أخر معه، ثم دخل الحريم وخرج معه الحريم في زي امرأة، واستمر الملك شاغراً عدة أيام؛ وأن جان بلاط، الأمير الكبير بمصر، تسلطن ولقب بالأشرف، كما قد خطب بذلك على منابر دمشق لقانصوه خمسمائة، وأن تسلطنه كان يوم الاثنين ثاني ذي الحجة هذه.
ثم اختلفوا بدمشق فيمن تولى الأمرة الكبرى بمصر، فقيل الدوادار الكبير طومان باي، وقيل بل بعثوا يخيروا نائب الشام قصروه، في أن يستمر في نيابة الشام، ويلبس خلعة بعثت له، وبين أن يسافر إلى مصر ويتولى الأمرة الكبرى؛ وقيل بل ولوا الأمرة الكبرى تنبك الجمالي، وأن طومان باي أبقى على الدوادارية على عادته، وأضيف إليه وظائف أخر؛ ثم إن أرباب التقويم أخبروا بأن جان بلاط لا يقيم في الملك كثيراً، بل إن طالت مدته فإلى نصف سنة؛ ولما بلغ نائب الشام توليته، لم يرض به سلطاناً، وأنه لا يطيعه بل يسافر إلى مصر لخلعه.