وفي يوم الخميس مستهل رمضان منها، تعدى دوادار السلطان أركماس بدمشق، وهو أستاذ المزة غربيها، على جماعة، منهم شريف من أقارب الحصني، وضربه بالمقارع. وفي عشيته رجع من مصر إلى دمشق السيد محمد بن المحب الحصني. وفي بكرتها يوم الجمعة اجتمع الناس وكبروا على الدوادار المذكور بمنارة الجامع الأموي إلى بعد الصلاة.
وفي يوم السبت ثالثه وصل من مصر إلى دمشق خاصكي اسمه يلباي، وتلقاه أرباب الدولة، ثم أخرج على يديه مرسوماً شريفاً بأن يصادر ورثة ابن علوان المتوفى، فرسم على زوجته وابنه منها الطفل، وعلى أبي بكر الطواقي، وآخر ما صادرهم به نحو ثلاثة آلاف دينار، ثم صادر أيضاً دوادار القاضي الشافعي وجماعته.
وفي يوم الاثنين رابع شوال منها، ورد مرسوم شريف، بعزل قاضي الحنفية بدمشق زين الدين الحسباني، وأن يختار الحنفية قاضياً غيره، فيوليه نائب السلطنة على مبلغ، وأن يلتزم للحنفية بأداء معاليمهم، فاختاروا العمادي إسماعيل الناصري، فولاه النائب، ثم سافر الحسباني المذكور إلى مصر للسعي عليه في الحال، فيما بلغني، ولا قوة إلا بالله، على أن بعض الحنفية ندم عليه، وأنه كان أولى من العمادي. وفي هذه الأيام احترق حاصل الخواجا عيسى القاري بحارة الحاجب، وذهب له مغل كثيرة وحب وغير ذلك.
وفي يوم الأحد رابع عشريه رجع الشيخ تقي الدين ابن قاضي عجلون من مصر إلى دمشق، وقد تكلف مشاق كثيرة، ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم الثلاثاء سادس عشره أقرت امرأة بحضرة النائب، أن نائب بعلبك فعل بها الفاحشة، بعد أن كان ادعى أنها أخته، وبعد أن أخذها من دمشق إلى بيته ببعلبك لما طلقها زوجها، وترك أولادها عند أبيهم المطلق، فطلبه نائب دمشق من بعلبك ماشياً، فقابله وواجهه بما فعل بحضرة النائب بدار العدل، فأمر بإخصائه، فأخصي.
وفي يوم الثلاثاء حادي عشر ذي القعدة منها، حمل رجل أعجمي في ظهره، كما تحمل عصي القبان، جملاً معقلاً على باب، وعلى جنبي الباب رجلان، ولم يزل ينقلهم من سلسلة إلى سلسلة وهو على علو، إلى أن صار الجميع عنده حاملهم على وسط ظهره، ثم ردهم إلى الأرض، وذلك تحت قلعة دمشق، وحمل قبل ذلك بأيام حجراً كبيراً، وضرب على صدره النحاس بمرازب كبار بحضرة النائب، وله عجائب أخر.
وفي يوم الأربعاء ثاني عشره حضر العالم مفتي حلب ابن السيوفي بالمدرسة الشامية البرانية، متبركاً بالحضور عن يسار المدرس تقي الدين ابن قاضي عجلون، وكان مطلوباً إلى مصر. وفي يوم الأحد سادس عشره ركب محمد بن عياش، الركاب، فرساً يغلها بأجرة، وكان قد شرب الخمر، فسقط على الأرض، فداس الفرس في رأسه فقتله في طريق المزة، تجاه بستان النوروزي، فوق حمام الفلك. وفي الليلة المذكورة قتل سكراناً علي بن خريش المعمار، بالقرب من الباب الحجر، في طريق كفر سوسياً، وكلا الرجلين المذكورين مجرمان مؤذيان، فانتقم الله منهما.
وفي يوم الأربعاء تاسع عشره حضر في نصف تدريس الظاهرية الجوانية القاضي عفيف الدين شعيب، بالإيوان القبلي، ودرس في قوله تعالى: " ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ". وفي هذه الأيام خرج من دمشق قفل إلى مصر، فخرج عليهم الأمير المعزول عن بلاده قراجا، وأعطيت البلاد لابن عمه، وأراد نهبهم فبرز إليه من القفل أربعة أنفس من تجار القفل بالقسي والنشاب، فرماه أحدهم بسهم فأصاب مذبحه فمات، فهاش جماعته عليهم، فقتلوا الأربعة التجار، وأرادوا نهب القفل فاستغاثوا فأغاثهم الأمير، فلما رأى ابن عمه قتل لم يسهل به ذلك فنهبهم، ولا قوة إلا بالله.
وفي ليلة الثلاثاء خامس من عشريه سافر القاضي الشافعي إلى بلاده وإقطاعه ليدور عليها. وفي صبيحته رجع إلى دمشق، ودخلها، القاضي نجم الدين الحنبلي، وتلقاه النائب على العادة بتلق حسنٍ، بعد أن طلب إلى مصر، وحصل له من السلطان بعض ضيق، ولا قوة إلا بالله. وفي يوم الأربعاء سادس عشرينه ختم حضور الدرس بالشامية البرانية. وفي يوم الخميس سابع عشرينه سقط رجل طيان من السطح العالي ببيت الأمير فارس، الذي كان ساكنه الحاجب الثاني أحمد بن شاهين بالسويقة المحروقة، فوصل إلى الأرض وقد تحطم جسده، فلم يلبث أن مات، وتعلق على جماعته دوادار السلطان بدمشق، فسعى فيه الحاجب المذكور.
وفي يوم الأحد سلخه أمر النائب بضرب عنق رجل أزعر، يعرف بابن سويدان، ضبطت عليه أمور منكرة من القتل وغيره. وفيه ولي النائب مقلد بن عز الدين بن العزقي، مقدمة وادي بردى وما والاها، مكان أبيه المقتول لعصيانه المتقدم ذكره، وهذا الابن طفل، وقد حضر ضرب رقبة ابن سويدان المتقدم بالاصطبل السلطاني.
وفي يوم الثلاثاء ثاني ذي الحجة منها، دخل دمشق من مصر ناصر الدين محمد بن شكم، بعد أن طلب إلى مصر وضيق عليه، بسبب تفريطه في وظيفة نقابة القلعة الدمشقية، حتى تسرب منها الأمير بداغ أخو سوار؛ وأراد أن يمثل به فتحيل في الخلاص من ذلك بالسعاية في جماعة بدمشق، فورد على يديه مراسيم في مصادرتهم، وأن خاصكي السلطان، وهو خازنداره، واصل عقبه. وفي هذه الأيام شاع بدمشق وفاة السلطان محمد بن بركات سلطان مكة، وأن قايتباي أرسل إلى مكة سرية يحفطونها.
وفي يوم الأحد سابعه دخل من مصر إلى دمشق خاصكي لمصادرة الناس، قيل إنه خازندار السلطان، وتلقاه النائب على العادة، ثم أخرج على يديه مرسوماً شريفاً بإعتقال نائب القاضي الشافعي في الحكم والخطابة والعرض، إذا غاب سراج الدين بن الصيرفي، بسعاية نجم الدين بن الخيضري فيه، في مصر، بسبب دخوله في وصية عمه مسند، وأنه وضع يده على نحو عشرين ألف دينار، ثم ضمنه جماعة وأخرج بعد أيام، ثم أخرج الخاصكي مرسوماً أيضاً باعتقال مفتي دار العدل السيد كمال الدين بن حمزة، بسبب تركة حمية القاضي محب الدين ابن قاضي علجون، فوضع في قلعة دمشق مع سراج الدين في اليوم المذكور.
وفي ليلة الاثنين ثامنه ركب النائب بعكسره، ولم يركب معه بقية أرباب الدولة، وسافر على قرية نجها، وسبقه النذير إلى عامر بن مقلد المراوي، فركب عامر وحده وفرق للنائب بوش الجمال ليأخذه بها، فأخلى النائب للبوش حتى جاوزه، ثم زحف بعسكره بعد العصر يوم العيد شرقي صرخد على عامر فكسره بعد جهد عظيم، ونجا عامر بنفسه وأهله وباقي بوشه، ودخل إلى دمشق من أثاثهم وأمتعتهم شيء كثير، كسباً مع المماليك، ثم دخل النائب إلى دمشق وقت العصر يوم الخميس أول أيام التشريق، وتلقاه أرباب الدولة، ودخل قدامه رؤوس كثيرة على روؤس الرماح ينادي عليها، ومن الجمال نحو ألفين، ومن الغنم مثلها، ولا قوة إلا بالله.
وفي صبيحة يوم الأحد حادي عشريه احترقت قيسارية الفرنج، المعرفة بابن دلامة، التي هي شرقي قيسارية ابن المزلق، التي علي بابها الساعات، قبلي العشر، وخرب ما حولها من النار. وفي يوم الجمعة سادس عشرينه أرسل دوادار السلطان بدمشق، وهو أستاذ المزة، إليها جماعة نهبتها، وقبضت جماعة منها، بسبب عدم مصالحة أستاداره بها عبد القادر بن الشيراجي، الساكن يومئذٍ غربي سوق صاروجا.
وقال الشيخ علاء الدين البصروي في ذيله:
وفي يوم الأحد مستهل صفر منها، وصل الحاج الشامي؛ ووصل من الحجاز الشيخ أبو الفضل محب الدين بن الإمام الصفدي، من قدماء الشافعية؛ وجاء أيضاً السيد علاء الدين بن نقيب الأشراف، وتوجه من ناحية الكرك إلى القدس الشريف.
وفي ثامن عشره وصل تمراز، ونزل بالصالحية عند القاضي كمال الدين بن حمام الورد، ووضع القاضي عبد الرحيم بن موفق الدين العباسي بالقلعة، على سبعة آلاف دينار على أبيه، ثم لما سافر سلمة للأمير الكبير بدمشق جانم فأطلقه.
وفي ربيع الآخر منها، وقع بحوش دار النيابة حجر ملفوف بخرقة، في طرفها قصة ذكر فيها شعيب نائب القاضي الشافعي وما يفعله في الأحكام وغيرها من الظلم والبلص، وحكى فيها ما وقع له في سنة ثمان وسبعين وثمانمائة، فدفعها النائب للقاضي الشافعي، فعزله؛ وفي خامس عشره أعيد بشفاعة لمحب ناظر الجيش.
وفي سابع جمادى الأولى منها، سافر السيد كمال الدين بن حمزة إلى الحمة، ثم وصل إلى هنا في سادس عشره.
وفي خامس عشره اجتمع الشيخ علي الدقاق والشيخ أبو الفضل المقدسي بالنائب في معارضة الشيخ تقي الدين من جهة باب جيرون، فأجابهما بما خاب سعيهما عمد سماعه.
وفي ثالث عشريه وصل من مصر الشيخ شهاب الدين بن المحوجب الشافعي، ورأى الشيخ تقي الدين بن قاضي عجلون بغزة.
وفي ثامن عشري جمادى الآخرة ورد مرسوم بتجهيز مباشري المارستان النوري: القاضي محي الدين الإخنائي نائب الناظر، وعبد القادر العدوي العامل، ومحمد بن شعبان المشارف، بسبب أن أحمد شيخ سوق المارستان شكا عليهم بأن فائض وقفه في سبع سنين عشرون ألف دينار، أكلها المذكورون؛ والمرسوم إلى النائب والقاضي الشافعي على يد عبد كاتب السر ابن مزهر.
وفي ثالث عشريه عرض السيد نجم الدين بن السيد برهان الدين بن السيد محمد الحسني كتاب الحاوي في الفقه وكتاب الكافية في النحو.
وفي ليلة رابع رجب منها، حصل حريق عند مسجد القصب، عظيم، واحترق فيه نحو عشرين مسجداً.
وفي مستهل شوال منها، يوم الجمعة، شهدوا برؤية الهلال بعد الزوال، وصلوا صلاة العيد بين الظهر والعصر، وخطب القاضي الشافعي.
وفي ثامن عشره سافر الحاج الشامي، وأميرهم، برد بك الظاهري أحد المقدمين بدمشق، وقاضيه ...
[سنة خمس وتسعين وثمانمائة]
استهلت والخليفة أمير المؤمنين المتوكل على الله عبد العزيز بن يعقوب؛ وسلطان مصر والشام وما مع ذلك الملك الأشرف أبو النصر قايتباي؛ ونائبه بدمشق قانصوه اليحياوي؛ والقضاة؛ الحنفي عماد الدين اسماعيل الناصري، والشافعي شهاب الدين بن الفرفور، والمالكي شهاب الدين المريني، والحنبلي نجم الدين بن مفلح؛ والأمير الكبير جانم مملوك السلطان؛ والحاجب الكبير الشرفي يونس الملكي؛ والحاجب الثاني مملوك السلطان تاني بك الأشرفي؛ ودوادار السلطان أركماس الملكي؛ ونائب القلعة مملوك السلطان الأيدكي؛ ونقيبها الأمير تمراز القجماسي؛ ودوادار النائب الخازندار؛ وكاتب السر الزيني العباسي؛ وناظر الجيش المتشرف بالإسلام محب الدين؛ ومع القاضي الخطابة بالجامع الأموي، ومشيخة شيخ الشيوخ، ونظر المارستان، ونظر الحرمين.
وفي يوم الثلاثاء ثامن المحرم منها، رجع القاضي الشافعي من سفره المتقدم، إلى دمشق.
وفي بكرة يوم الخميس، يوم عاشوراء، دخل من البلاد الشمالية قاصد ابن حسن باك بالأمير بداغ بن ذي الغادر، الذي هرب من سنين من قلعة دمشق، شفع فيه يعقوب باك بن حسن باك المذكور، فخلع عليه النائب وأكرمه وأنزله بحارة القصر.
وفيه اعتقل على الزيني السيد عبد الرحيم العباسي، كاتب السر بدمشق يومئذٍ، ووضع بمسجد القلعة عند السيد كمال الدين، من جهة مال السلطنة على ما قيل: ثم بعد أيام أفرج عنه.
وفي يوم الاثنين سابعه اعتقل على ناصر الدين بن سكر في قلعة دمشق، على مال كثير للسلطة وغيرها.
وفي بكرة يوم الأربعاء سادس عشره دخل من مصر إلى دمشق ابن شعبان سلطان الحرافيش، وهم والأوباش حوله، والصفاقات والطبول تضرب بين يديه، والأعلام الصفر عليه، ثم أوصلوه إلى بيته، ثم رجعوا إلى تلقي زوجته، أيضاً بالصفاقات والطبول، وخرج إليها نحو مائتي امرأة بخرق صفر ملفوفة على عصائبهن وهن ركوب حولها، إلى أن وصلت إلى بيتها، ولا قوة إلا بالله؛ قيل إن السلطان ألقى الشر بينهما حتى أخذ منه مالاً بعد أن عرض عليه الإهانة، ثم أصلح بينه وبين زوجته.
وفي يوم السبت بعد الظهر تاسع عشره، دخلت كتب وفد الله من الحجاز إلى دمشق.
وفي وقت العشاء ليلة الاثنين الحادي والعشرين منه، هجم الحرامية بغتة على بيت ديوان نائب السلطنة صدقة السامري، فحاربهم، وأخذوا مالاً كثيراً على ما قيل.
وفي يوم الجمعة بعد العصر خامس عشرينه هجم مماليك دوادار السلطان بدمشق، على باب قاضي المالكية شهاب الدين المريني، وأخذوا خصماً كان محبوساً من عند المالكي، هو من فلاحي سودون الطويل أحد الألوف، فاختبطت دمشق لذلك.
وفي يوم الثلاثاء ثاني عشريه دخل الوفد الشريف إلى دمشق، في أطيب عيش وأوفر بضاعة، وأكثرها ولله الحمد؛ وأخبروا أن الوقفة كانت يوم الثلاثاء؛ وتبين أن الذي شاع بدمشق من موت السلطان بركات، كذب ليس له أصل.
وفي يوم الخميس ثاني صفر لبس النائب خلعة حمراء بفرو على العادة، واحتفل الناس لذلك.
وفي يوم الأحد خامسه حضر الشامية البرانية، مدرساً في ثلث تدريسها، السراج الصيرفي، نزل له عنه تقي الدين ابن قاضي عجلون في ذي الحجة من السنة قبلها، ودرس في قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم " وأطعم الناس بعد الدرس معمولاً.
وفي يوم الجمعة بعد الصلاة عاشره، وعظ تجاه محراب الحنفية شمس الدين بن عبية القدسي ثم الدمشقي، ثم ذكر الله مع جماعة الجالسين حول كرسي وعظه، فأطال، فرمى رجل نفسه وسط الحلقة، ثم قام واقفاً يرقص مكشوف الرأس، وينط ويقعد معهم، وهو في حال ذكره ينظر لكل من يقربه في الجامع، فوقع نظره على رجل من طلبة العلم الفقراء وهو شيخ كبير، فخرج من الحلقة إليه وقبض بخناقه وهو جالس، وضربه بيده ثم قام عنه، وأخذ عصا بقربه وضربه، فصاح الناس عليه، فرجع عنه وهو يقول: يضحك علي وأنا أذكر الله متوحداً؛ فلما رأى الناس قد أنكروا عليه لبس عمامته وجلس، فدخل إليه رجل يقال له زين الدين عمر بن العلاف، وهو من طلبة العلم وأخرجه بيده وذهب به مع جماعة إلى بعض نواب القاضي الشافعي، فاستعجل المضروب وضرب الضارب بالعصا مثل ضربته، فقال القاضي لهم: قد اقتص منه، ثم خلعه منهم، ولم يعذره على ما صدر منه، وأطال الواعظ المذكور في هذا اليوم مجلسه مراءاة للناس.
وفي يوم السبت حادي عشره لبس النائب خلعة آقبغاوي، وفوقه كاملية خضراء بفرو، من قبة يلبغا، ودخل دمشق وقدامه مملوكه جندر مخلوعاً عليه، وعلى اثنين آخرين، بطراز، واحتفل الناس لهم، وكان يوماً مشهوداً؛ وسبب هذا الخلعة الجمال التي نهبها من العرب، وأرسل منها إلى السلطان مع جندر المذكور.
وفي يوم الأحد ثاني عشره درس السراج الصيرفي بالشامية البرانية الدرس الثاني، وابتدأ من كتاب البيع، ولم يحضر معه أحد من الأكابر غير الطلبة.
وفي يوم الأحد سادس عشرينه، بعد حضور الشامية البرانية، حضر شمس الدين الكفرسوسي مدرساً في نصف تدريس ونظر المدرسة المجاهدية بها، تجاه القواسين، وحضر معه السراج الصيرفي، ودرس في قوله تعالى: " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ثم حضر أيضاً بالكلاسة نيابة عن مدرسها وابن مدرسها رضي الدين الغزي، وكان تدريسها كاد يبطل، فإنه من لدن الشيخ خطاب نائبهم لم يقم بها درس؛ وكان السبب في إقامته يومئذٍ الامير سودون الطويل، ودرس فيها من قواعد العلاي لما علم من أن الشيخ خطاب كان يدرس فيها هنا.
وفي يوم الاثنين رابع ربيع الأول منها، قرئ بدار العدل مرسوم على النائب، مضمونه أن القاضي شهاب الدين بن الفرفور طلب الحضور إلى المقام الشريف فأذن له، وأن يكون نظره على جهاته، ثم قيل أن السبب أنه كان في حياة صهره قطب الدين الخيضري طلب أن يوليه المقام الشريف نظر ديوان الإنشاء بمصر، بعشرين ألف دينار، فأطلع السلطان على ذلك لبدر الدين بن مزهر المتولي جديداً، فأخرج بدر الدين على القاضي قوائم بنحو العشرين ألف لوالده المتوفى عليه، ووجهها للسلطان، فأرسل السلطان أخبره، فاستأذن في الحضور، فأذن له.
وفي هذه الأيام ورد مرسوم شريف بعزل قضاة بعلبك، إلى النائب والقاضي الشافعي، ثم قيل إن السبب في ذلك أن بعض قصاد القاضي المذكور مر ببعلبك، فلم يضيفوه ضيافة تليق به في دعة، وهو شهاب الدين الكوكاجي نائب الحنبلي.
وفي يوم الأربعاء ثالث عشره حضر عفيف الدين شعيب العابري، عقيب الحضور في الظاهرية في تدريس المدرسة الإقبالية الشافعية، ودرس في قوله تعالى: " ومن يتوكل على الله فهو حسبه "، نحو عشر كلمات، ثم ختم وقدم للحاضرين معمولاً، وأقراصاً، ولم يحضر معه إلا أناس قلائل، ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم الأحد سابع عشره حضر القاضي رضي الدين الغزي في تدريس الكلاسة، وترك استنابة شمس الدين الكفرسوسي، وحضر معه قاضي القضاة الشافعي، والشيخ شمس الدين ابن خطيب السقيفة، والجماعة على العادة، ودرس في قوله تعالى: " ولله على الناس حج البيت " الآية، وأطعم معمولاً كثيراً على ما قيل.
وفي آخر هذا الشهر كملت الزوائد التي جددت بجامع الجوزة، خارج باب الفراديس، بعد احتراق شيء منه، والزوائد هي بالجانب القبلي من العمودين إلى الطريق السلطاني اثنا عشر ذراعاً بالبخاري، ومن شرقي هذه خمسة أذرع ونصف بالبخاري أيضاً، ومن شمالي هذه الخمسة ثلاثة أذرع بالبخاري أيضاً، اشترى ذلك وعمره الحاجب الكبير الشرفي يونس، وساعده الشيخ تقي الدين ابن قاضي عجلون، ومن شرقي البركة تجاه الباب القديم قطعة أرض اثنا عشر ذراعاً بالبخاري أيضاً شرقاً بغرب، اشتراها من ماله الحاج شرف الدين موسى بن محمد التاجر المكفناتي، وعمر على يديه أيضاً إيوان، وفتح له باب إلى الطريق السلطاني من مال أهل الخير، طوله قبلة بشام ثلاثة عشر ذراعاً بالبخاري أيضاً.
وفي هذا الشهر شرع القاضي الشافعي يتملك ويستحكر حوانيت سوق البزورية، ثم شرع في هدمه ليعمره أحسن ما كان.
وفي يوم الأحد خامس عشريه قبض على جارية سوداء، فخرج من عندها حوائج للناس، سرقتهم خفية، نحو مائة قطعة نحاس وغير ذلك، فقطعت يدها وصبرت على الألم.
وفي بكرة هذا اليوم، باصطبل دار السعادة، بحضرة النائب، اجتمع على قاضي الحنفية العمادي جماعة بحضور القضاة، ونقضوا حكمه في حمام سقبا، قيل إنه ارتشى عليه.
وفيه أخبر شهاب الدين بن حجي الأطروش أن قرين العمادي هذا، وهو الحسباني، في أسوأ حال بمصر، بسبب دين لبعض حاشية السلطان، ولا قوة إلا بالله.
وفي ليلة الأحد مستهل ربيع الثاني منها، احترقت سويقة تاني بك ميق بحكر السماقي.
وفي يوم الجمعة خامسه لبس القاضي الحنفية العمادي خلعة من السلطان، كما ولاه النائب، وقرئ تقليده بالجامع وفيه المراء كثير.
وفي يوم الاثنين تاسعه نودي بدمشق من جهة النائب بالتجريدة، فاغتم الناس لذلك لشدة وقوف الحال لقلة المطر، فإنه لم يقع مطر من أواخر الأصم إلى الآن، والقمح قد تحرك سعره.
وفي عشية يوم السبت رابع عشره، وهو سادس آذار، غيمت السماء، واستبشر الناس بالمطر، ثم وقع بعد المغرب مطر جيد، وشرعوا منه في جبي دراهم المشاة من الحارات.
وفيه دخل إلى دمشق أوائل الترك من العسكر المصري، وتسلطوا على أذى الناس من أخذ دوابهم وغيره؛ ومشى المدرس إلى الشامية البرانية، وغالب الأكابر، خوفاً على دوابهم منهم.
وفي يوم الأربعاء ثامن عشره أفرج عن السيد كمال الدين من اعتقاله بجامع القلعة، وهرع الناس إليه يهنئونه.
وفي هذه الأيام قد دخل إلى دمشق خلق كثير من أهل حماة، هربوا من نائبهم أينال الخسيف؛ وأما أهل حلب فتفرقوا في البلدان من قبل هذه السنة وإلى الآن، خوفاً على حريمهم من العساكر الواردة إليهم، وفسد نساء كثيرٍ منهم.
وفي يوم الثلاثاء رابع عشريه أصبح رجل كان يبيع الصابون، وقد شنق نفسه في بيته في حبل وهو ميت، لكون بعض الظلمة طرح صابوناً؛ فذهبت زوجته إلى أبيه وأخبرته بذلك، فأتى إليه وأنزله وغطاه، وذهب إلى المغسل ليغسله، فلما رأى عليه آثار الخنق امتنع، وقال: لا أغسله حتى تنظر فيه الحكام، فذهب أبوه، وهو ممن يقال عنه إنه ذو مال، إلى ملك الأمراء خوفاً من دوادار السلطان لشهرته بالظلم، فأخبره بذلك، فقال له: أنت كنت السبب في قتله لكونه طلب منك مالاً ليستعين به في وفاء ثمن الصابون المطرح فأبيت؛ ثم أمر بشنقه فروجع فيه إلى أن أخذ منه مائة دينار، ثم أذن له في دفنه، فلما كان في صبحة المقابر أتى جماعة من جهة دوادار السلطان إليه وحملوه إلى بيت أستاذهم، فمددوه إلى أن أخذوا منه خمسة وعشرين ديناراً.
وكان النائب قبل ذلك بنحو خمسة أيام قد طلب القاضي شمس الدين بن القاضي بدر الدين بن المزلق، وطلب منه عدة أربعين ماشياً، فقال له: ما جرى بهذا عادة، فإن أوقافنا غالبها على فقراء وقرب؛ فغضب عليه النائب وهم أن يوقع فيه بنفسه بعد أن قام نصف قيام لذلك، ثم قال له: قم من وجهي؛ ثم أمر به إلى القلعة، ثم ندم وأمر بإخراجه، فلم يخرج إلا أن يجيء مرسوم السلطان، فلم تزل الأكابر به إلى أن خرج، على أن يعمل النائب مصلحة، ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم الأربعاء خامس عشريه ضرب دوادار السلطان رجلاً جمالاً حتى مات؛ وسببه أن جماعة من تجار الأرمن قدموا دمشق، وأرادوا السفر إلى مصر بحرير معهم، فاكتروا مع هذا الجمال، فلما خرج بهم إلى قرب سعسع قطعت لهم راحلة وذهب بهم منها شيء، فرجعوا وشكوا عليه وأدركوه ليقر، فلم يقر ومات، فذهبت دنياهم وبقت عليهم التبعات، فلا قوة إلا بالله؛ ووقف أهل الميت به في نعش للنائب، فلم يأخذ بأيديهم لكون الدوادار من مماليك السلطان، وهو رجل جبار فاجر. وفي هذا اليوم دعي في الشامية لبطالة الدروس.
وفي يوم الثلاثاء مستهل جمادى الأولى منها، عزر قاضي الحنفية العمادي لمحمد الكازروني، وأهانه وسجنه بسجن باب البريد، وهو لعمري أقل جزائه، فإنه أعرج نحس مختصر فاض، يتوكل ويأخذ من الجانبين، تارك للصلاة.
واستهل هذا الشهر وقد امتلأت دمشق من العسكر المصري، والمماليك الجلبان، حتى غلقت حوانيت كثيرة، ولم يجسر أحد أن يركب حماراً، فضلاً عن غيره، حتى القضاة ترى أبوابهم مغلقةً إلا الخوخة، خوفاً على دوابهم ومنازلهم، حتى إن قاضي الشافعية دخل حمام منصور، وترك ثيابه على عادة الناس، واستعمل صانعاً، فدخل مملوك، فأمر الصانع أن يحلق رأسه ويدلكه ويغسله وأطال المكث، ثم خرج فادعى أنه بجيبه مائة دينار سرقت، فلم يزل بالحاضرين حتى أخذ منهم ثلثمائة درهم، هذا بعد كلفة في الحمام، ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم الأربعاء ثانيه عرض أهل باب المصلى مشاة، نحو خمسين رجلاً.
وفي يوم السبت خامسه نودي بدمشق بأن من كان له على الأجناد وأهل الحلقة والمستخبرين دين فلا يطالب به، وذهب للناس في ذلك مال كثير، ووقف حال الناس زيادة على ما هم فيه.
وفي يوم السبت خامسه جاء مرسوم شريف في شمس الدين بن الشيخ عيسى البغدادي، وعمي القاضي جمال الدين بن طولون مفتي دار العدل، فرفعا إلى القلعة، ثم بعد يومين أو ثلاثة أفرج عن ابن طولون، ثم عن الآخر.
وفي يوم الخميس ثامنه وصل الخبر إلى دمشق بأن السلطان ولي تمربغا الترجمان، المتشرف بالإسلام، نظر جيش دمشق، عوضاً عن محب الدين سلامة بن يوسف الأسلمي، وكلاهما بمصر، وسبب ذلك أن محب الدين المذكور كان قد صال وطال، وهان الفرنج، بسبب بهار السلطان، وضرب شخصاً منهم بالقلعة، فاشتكوا عليه للسلطان بأن أخذ منهم عشرة آلاف دينار، وأباحوا أخذها منه للسلطان، وأنهم يزيدون السلطان عليها مثلها ويولي عليهم الشخص المذكور تمربغا، فإنه كان فرنجياً منهم، ثم أسلم، ودخل عند النائب المتوفى قجماس؛ فأجابهم السلطان إلى توليه بعد أن أدركهم أمر البحر من جهة ابن عثمان.
وفي يوم الأربعاء عاشره ولي النائب الحسبة لنائب بعلبك، الذي كان خصاه على فاحشة وقعت منه كما مر، واسمه يونس. وفي يوم الخميس حادي عشره عرض المشاة القيسية من جميع الحارات، وخرجوا ملبسين من حارة الشاغور، وهم نحو ثلاثة آلاف، وكان يوماً مشهوداً.
وفي يوم السبت ثالث عشره سافر تقي الدين بن قاضي عجلون إلى الحجة، وقيل إن عزمه السفر إلى القدس، ثم إلى الطور ثم إلى الحجاز، بعد بيع كتب كثيرة كانت عنده.
وفي هذه الأيام جلس بعض شهود العمائر: إبراهيم العجلوني، على باب العادلية الصغرى، فمر عليه بغل عليه شيء من المال وليس خلفه أحد، فأدخله إلى اصطبل العادلية، فرآه شخص، فقال له: اطعمنا مما أطعمك الله، فأنكر، فرفع إلى دوادار النائب فضربه، فأقر بذهب فأخذ منه.
وفي يوم الاثنين خامس عشره دخل من مصر إلى دمشق أولى المقدمين زردكاش السلطان، واسمه يشبك الجمالي، ولاقاه النائب وأرباب الدولة، وورد على يده مرسوم بأن يقبض من القلعة مائة ألف دينار، فلم يوجد في الصندوق غير ثلاثة وثمانين ألفاً.
وفي يوم الأربعاء سابع عشره دخل من مصر إلى دمشق أحد الألوف قانصوه الألفي، وأمير آخور كبير قانصوه خمسمائة، طلب الأول أولاً، وطلب الثاني ثانياً دخولاً حافلاً.
وفي يوم الجمعة تاسع عشره دخل المذكوران إلى الجامع الأموي قبل الصلاة، وتركعا في المكان الذي يجلس فيه القاضي الشافعي، خارج باب بيت الخطابة، ومعهما أمير، ثم بعد ساعة فرش للنائب في محراب الحنابلة، ثم جاء وجماعته فصلوا تحية المسجد؛ فلما سلم من صلاته استدعى مملوكه جندر وحدثه، فجاء إلى قانصوه خمسمائة فحدثه، ثم عاد إلى أستاذه، فقام بمفرده ومشى خلف جندر إلى أن جاء وجلس عن يساره قانصوه خمسمائة، ثم صعد الشافعي وخطب خطبة في المعني، ثم اجتمعوا بعد الصلاة واجتمع الترك حولهم، ثم مشى المذكوران وخلفهما النائب ومعه الأمير الثالث، واسمه قانصوه أيضاً، وخرجوا من باب البريد.
وفي هذا اليوم خرج من دمشق يشبك الجمالي متوجهاً إلى البلاد الشمالية.
وفيه شاع أن ابن عثمان أرسل بالصلح، وأن مفاتيح القلاع واصلة.
وفي يوم السبت عشريه دخل من مصر أمير مجلس تاني بك الجمالي، وأحد الألوف تاني بك الوالي، وتلاقاهما النائب على