للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحرفته فاقت على كل حرفة ... يركب ياقوتاً على فص خاتمه

فلما بلغ معين الدين ذلك، شكا السلموني إلى السلطان، يعني الغوري، فقال له إن وجب عليه شيء بالشرع أدبه، فنزل شك السلموني في الحديد، وأتى به إلى بيت قاضي القضاة الحنفي عبد البر بن الشحنة، وادعى عليه، فضربه عبد البر وعزره، وأشهره على حمار، وهو مكشوف الرأس؛ وقد ورد في بعض الأخبار أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أول من عاقب على الهجاء؛ وقد قال بعض شعراء العصر في واقعة السلموني بيتين هما:

وشاعر قد هجا شخصاً فحل به ... من حاكم الشرع توبيخ وتعزيز

فأشهروه وجازوه بفعلته ... تباً له شاعر بالهجو مشهور

فلما بلغ السلطان ما فعله معين الدين بن شمس بالسلموني، شق ذلك عليه، ووكل به، وأمر بقطع لسان، فإنه قال: السلطان رسم لي بأن أشهر السلموني؛ ولم يكن السلطان رسم بذلك، واستمر ابن شمس في الترسيم مدة طويلة حتى أرضى السلطان بمال له صورة، حتى رضي عليه وألبسه خلعة.

ثم إن السلموني هجا عبد البر بقصيدة مطلعها:

فشا الزور في مصر وفي جنباتها ... ولم لا وعبد البر قاضي قضاتها

وهي مطولة.

والذي حكى لي هذه النادرة أخبرني بوفاة العلامة جلال الدين السيوطي، بأنها يوم الخميس تاسع جمادى الأولى من هذه السنة، وقال هو عبد الرحمن بن أبي بكر الأسيوطي، وكان بارعاً في الحديث وغيره من العلوم، بلغت عدة مصنفاته نحو الستمائة، وكان في درجة المجتهدين في العلم والعمل، وكان مولده في جمادى الآخرة سنة ٨٤٩، ولما مات دفن بجوار خانقاه قوصون، خارج باب القرافة، قيل لما غسل أخذ الغاسل قميصه وقبعه، فاشترى بعض الناس قميصه من الغاسل بخمسة دنانير للتبرك به، وابتاع قبعه الذي كان على رأسه بثلاثة دنانير لذلك؛ ورثاه عبد الباسط بن خليل الحنفي بقوله:

مات جلال الدين غيث الورى ... مجتده العصر إمام الوجود

<<  <   >  >>