فإني كنت أتوق إلى مكة قبل الحج؛ فداويت هذا الداء بالقصد، فزاد الشوق بعد الرجوع على الحد، وعلمت أن كثرة الترداد لا تزيد إلا شوقاً، كما أن لقيا المحبوب لا تزيد نار الوجد إلا وقداً، ثم إني صادفت من هو أشوق مني؛ فشغلني ما رأيت من وجده عني؛ فاتفقنا في أصل الشوق، وافترقنا في [قدر] التوق، ورأيته كما قال الشاعر:
أحب الثرى النجدي من أجرع الحمى ... كأني لمن بالأجر عين نسيب
إذا هب علوي النسيم رأتني ... أغض جفوني أن يقال مريب
وكما قال الآخر:
أحن إلى نور اللوى في بطاحه ... وأظمأ إلى ري اللوى في هبوبه