فَقُلْتُ لَهَا: مَا لَكِ؟ أَذَهَبَ لَكِ مَالٌ، أَوْ أُصِبْتِ بِمُصِيبَةٍ؟ قَالَتْ: لا، وَلَكِنْ كَانَ لِي قَلْبٌ فَقَدْتُهُ.
قُلْتُ: وَهَذِهِ مُصِيبَتُكِ؟ قَالَتْ: وَأَيُّ مُصِيبَةٍ أَعْظَمُ مِنْ فَقْدِ الْقُلُوبِ وَانْقِطَاعِهَا عَنِ الْمَحْبُوبِ.
فَقُلْتُ: لَهَا إِنَّ حُسْنَ صَوْتِكِ قَدْ عَطَّلَ عَلَى سَامِعِيهِ الطَّوَافَ. فَقَالَتْ: يَا شَيْخُ الْبَيْتُ! بَيْتُكَ أَمْ بَيْتُهُ؟ قُلْتُ: بَلْ بيته. قالت: فالحرم حرمك أم حرمه؟ قلت: حَرَمُهُ. قَالَتْ: فَدَعْنَا نَتَدَلَّلُ عَلَيْهِ عَلَى قَدْرِ مَا اسْتَزَارَنَا إِلَيْهِ. ثُمَّ قَالَتْ: بِحُبِّكَ لِي إِلا رَدَدْتَ عَلَيَّ قَلْبِي.
فَقُلْتُ لَهَا: مِنْ أين تعلمين أنه يحبك؟ قالت: بالعناية الْقَدِيمَةِ جَيَّشَ مِنْ أَجْلِي الْجُيُوشَ، وَأَنْفَقَ الأَمْوَالَ، وَأَخْرَجَنِي مِنْ بِلادِ الشِّرْكِ، وَأَدْخَلَنِي فِي التَّوْحِيدِ، وَعَرَّفَنِي نَفْسَهُ، بَعْدَ جَهْلِي إِيَّاهُ، فَهَلْ هَذَا إلا لعناية؟
قُلْتُ: كَيْفَ حُبُّكِ لَهُ؟ قَالَتْ: أَعْظَمُ شَيْءٍ وَأَجَلُّهُ. قُلْتُ: وَتَعْرِفِينَ الْحُبَّ؟ قَالَتْ: فَإِذَا جَهِلْتُ الْحُبَّ، فَأَيُّ شَيْءٍ أَعْرِفُ؟ قُلْتُ: فَكَيْفَ هُوَ؟ قالت: أرق من الشراب، قلت: وأي شَيْءٍ هُوَ؟ قَالَتْ: مِنْ طِينَةٍ عُجِنَتْ بِالْحَلاوَةِ، وخمرت في إناء الجلالة، حلو المتجنى ما أقصر، فَإِذَا أُفْرِطَ، عَادَ خَبَلا قَاتِلا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute