فأتيت صَاحِبَ الْحِمَارِ فَسَاوَمْتُهُ بِهِ، فَأَبَى أَنْ يَنْقُصَهُ من ثلاثين ديناراً. قال: خذه واستخر الله. قلت: الثمن. قال: بسم اللَّهَ، ثُمَّ أَدْخِلْ يَدَكَ فِي الْجِرَابَ، فَخُذِ الثَّمَنَ فَأَعْطِهِ. فَأَخَذْتُ الْجِرَابَ، ثُمّ قُلْتُ: بِسْمِ الله، وأدخلت يَدِيَ فِيهِ، فَإِذَا صُرَّةٌ فِيهَا ثَلاثُونَ دِينَارًا لا تزيد ولا تنقص.
قال: فدفعتها للرجل وَأَخَذْتُ الْحِمَارَ وَجِئْتُ بِهِ، فَقَالَ لِي: ارْكَبْ. فقلت له: أَنْتَ أَضْعَفُ مِنِّي. فَرَكِبَ، وَكُنْتُ أَمْشِي مَعَ حماره، فحيث أدركه الليل، قام قائماً ولا يزال راكعاً وساجداً حَتَّى أَتَيْنَا عُسْفَانَ، فَلَقِيَهُ شَيْخٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ثم جعلا يبكيان، فلما أراد أن يتفرقا، قَالَ صَاحِبِي لِلشَّيْخِ: أَوْصِنِي.
قَالَ: نَعَمْ، أَلْزِمِ التَّقْوَى قَلْبَكَ، وَانْصُبْ ذِكْرَ الْمَعَادِ أَمَامَكَ.
قَالَ: زِدْنِي، قَالَ: نَعَمْ، اسْتَقْبِلِ الآخِرَةَ بِالْحُسْنَى مِنْ عَمَلِكَ، وَبَاشِرْ عَوَارِضَ الدُّنْيَا بِالزُّهْدِ مِنْ قَلْبِكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأَكْيَاسَ هُمُ الَّذِينَ عَرَفُوا عَيْبَ الدنيا حتى عمي على أهلها والسلام عليك ورحمة الله.
ثُمَّ افْتَرَقَا، فَقُلْتُ لِصَاحِبِي: مَنْ هَذَا الشَّيْخُ؟ قال: عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِ اللَّهِ. فَخَرَجْنَا مِنْ عُسْفَانَ حَتَّى أَتَيْنَا مَكَّةَ، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى الأَبْطَحِ، نَزَلَ عَنْ حِمَارِهِ وَقَالَ لِي: اثْبُتْ مَكَانَكَ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ نَظْرَةً ثُمَّ أَعُودُ إِلَيْكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَانْطَلَقَ وَعَرَضَ لي رجل، فقال: تَبِيعُ الْحِمَارَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: بِكَمْ؟ قُلْتُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute