ومع ذلك فإن عارضاً قد حدث بالتأكيد فغير مجرى حياته. فما هو هذا الذي حدث؟ لقد جاء أحد إخوته في الرضاعة ذات يوم مبهور الأنفاس، ليقص متلعثماً على حليمة المذعورة حادثاً غريباً فاجأ محمداً، فهبت حليمة من فورها تبحث عن رضيعها، فلما لقيته أكد لها ما حدث قائلاً:(جاءني رجلان يلبسان البياض فأمسكاني وفتحا صدري وقلبي وأخرجا منه علقة سوداء)(١).
وترى السيرة في هذه القصة اقتلاعاً رمزياً للإثم من جذوره، وربما أورد لها بعض المفسرين قوله تعالى:
ولكن من الثابت أن حليمة قد أعادت الطفل إلى مكة عندما كان في الرابعة أو الخامسة من عمره.
فماذا يمكن أن ينطبع في عقله من هذه الحقبة من الحياة الوثنية والبدوية؟.
لا شيء- بكل تأكيد- يمكن أن يكون قد علق بذاته فيما يتعلق بالدعوة المقبلة.
وبعد قليل ماتت أمه (آمنة)، ولم يعد للغلام منزل أبوة، فضمه جده (عبد المطلب) إليه.
(١) قال القريزي في "إمتاع الأسماع" عند حديثه عن رضاعة الرسول في بني سعد: ((وشق فؤاده المقدس هناك، وملئ حكمة وإيماناً بعد أن أخرج حظ الشيطان منه)). وروى البخاري في صحيحه ((شق صدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة المعراج " وقد استشكله أبو محمد بن حزم. كما روى مسلم في صحيحه ((ج٢ ص ٢١٥ بشرح النووي- طبع الطبعة المصرية) من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه. قال أنس: ((وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره)). (على أن الشق في فترة الحضانة روي أيضاً في مسند الدارمي المقدمة باب ٣) ((ف)). ((المترجم))