ثم مات الجد العجوز، فكفله عمه (أبو طالب)، أبو (علي)، وكانت سنه آنذاك سبعاً أو ثمانياً.
وفي منزل الوصي حيث لا ثروة تغني أهل البيت عن العمل، كان عمه يعمل قائداً ورائداً للقوافل المكية، فكان يذهب في مواسم معينة إلى مراكز التجارة الشامية، لمقايضة منتجات الهند واليمن بمنتجات بلاد البحر الأبيض المتوسط، وفي أحد هذه الأسفار، حين بلغت سن النبي إحدى عشرة أو اثنتا عشرة سنة، توسل إلى عمه أن يصطحبه، ولكنه رفض لأنه لم يكن يريد أن يصطحب رفيقاً حدثاً مثله، في سفر طويل قاس.
ومع ذلك فقد ألح الغلام وذاب في دموعه، وألقى بنفسه بين ذراعي عمه الذي استجاب أخيراً لطلبه المؤثر.
تلك إذن هي المرة الأولى التي اتصل فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعالم الخارجي، أي إنه عاش حتى الثانية عشرة، في بيئة عربية وثنية، يرعى إبل عمه في ضواحي مكة؛ ومعنى ذلك أن حياته لم تنطبع بأي ظرف خاص من نوع ثقافي، بل لقد عاش تلك الفترة يتيماً راعياً. هذا السفر غير المتوقع سيضع في طريق الغلام الحادث العارض الأول الذي يتصل مباشرة بالدعوة المستقبلة.
فعندما بلغت القوافل مدينة (بصرى) بالشام، استقبلهم راهب الدير استقبالاً حاراً، وقدم لهم الضيافة المسيحية ثم انتحى ذلك الراهب المسمى (بحيرا) بأبي طالب جانباً وقال له: ((ارجع إلى مكة بابن أخيك، واحذر عليه اليهود فإنه كائن له شأن عظيم)) (١).
فهل أولى أبو طالب هذه الحادثة العادية في السفر ما تستحق من الاهتمام،