هذه التفاصيل النفسية تبرز تماماً العزم النهائي عند محمد على قبول دعوته، بوصفها تكليفاً يأتيه من أعلى.
إنه يقبلها في الواقع، ولن يتخلى عنها أبداً، حتى ولو تعرض فيما بعد لسخرية أطفال مكة ولو آذاه وأنذره، وفتك به سادة قريش كأبي لهب وغيره من المشركين.
لا شيء سيرغمه على التخلي عنها، لا المصالح المضيعة لأسرته، ولا توسلات عمه الوقور أبي طالب، عندما يضغط عليه أشراف مكة كما يضع حداً (لفضيحة) ابن أخيه، ولا اقتراحهم عليه أن يتولى أسنى منصب في إدارة المدينة، هذا كله لا يحول الرسول عن طريقه الثابت إلى الأبد منذ حل الأزمة الثانية.
وعندما جاءه عمه لكي يفاتحه في أمر قريش، واضعاً تحت نظره الإجراءات القاسية التي رحموها في حالة ما إذا رفض عروضهم، أجابه وقد دمعت عيناه:"والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته، حتى يظهره الله أو أهلك دونه".
وأمام هذه العزيمة الخارقة لم يتمالك ذلك العجوز إلا أن يطمئن ابن أخيه بحمايته حتى النهاية.
فقررت قريش نبذ (محمد) وذويه من المجتمع، وكتبوا بذلك صحيفة علقت في جوف الكعبة.
ولقد حرمت الأسرة المفجوعة بهذه المقاطعة من كل علاقة مع المدينة،. حتى من التعامل الأدبي، أو الزواج من الأسر الأخرى.
وتذكر السيرة أن هذا الميثاق قد أكلته الأرَضة، وأن النبي قد رأى ذلك