للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد وضع هذا المغيب المكشوف تحت نظر النبي ما يشبه القياس الذي يتيح له أن يفصل ما هو شخصي بالنسبة له، كأفكاره ومكاشفاته العادية عما لا يتصل بشخصه، فهو صادر عن الوحي.

لقد بحث العلماء المسلمون هذه المشكلة في مختلف أشكالها، وعالجها الشيخ (محمد عبده) في رسالة التوحيد، في هذه العبارات، قال بعد تعريف الوحي لغة: "وقد عرفوه شرعاً أنه إعلام الله تعالى لنبي من أنبيائه بحكم شرعي ونحوه. أما نحن فنعرفه على شرطنا بأنه عرفان يجده الشخص في نفسه، مع اليقين بأنه من قبل الله بواسطة أو بغير واسطة، والأول بصوت يتمثل لسمعه أو بغير صوت، ويفرق بينه وبين الإلهام بأن الإلهام وجدان تستيقنه النفس، وتناسق إلى ما يطلب من غير شعور منها من أين أتى، وهو أشبه بوجدان الجوع والعطش والحزن والسرور" (١)

ولقد بقي في هذا التعريف الذي أسهب الأستاذ الإمام في تحديده بعض الغموض فيما يتصل بتفسير اليقين عند النبي.

والواقع أننا في الحالة التي لا يكون الوحي فيها منتقلاً بطريقة محسة - مسموعة أو مرئية- سنقع في تعريف الوحي تعريفاً ذاتياً محضاً، إذ أن النبي في التحليل الأخير لا يدري بصفة موضوعية كيف جاءته المعرفة، وهو يجدها في نفسه مع تيقنه بأنها من عند الله، إن في ذلك تناقضاً واضحاً يخلع على ظاهرة الوحي كل خصائص المكاشفة، ولكن هذه- كما يجب أن نكرر- لا تنتج يقيناً مؤسساً على إدراك، ذلك الذي يبدو أنه اليقين المقصود في الآيات التي ورد فيها ذكر الوحي، والتي تتصل خاصة بإعداد (محمد) الشخصي لفهم طبيعة الظاهرة القرآنية.


(١) رشيد رضا (الوحي المحمدي) [ص:٢٨] القاهرة ١٩٣٥م.

<<  <   >  >>