للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهل بالمكاشفة كان النبي يميز فيما ينطق به بين نوعين من (الإيحاء) هما: الآية القرآنية التي يأمر بتسجيلها فوراً، والحديث الذي يستودعه ذاكرة صحابته فحسب، ومعلوم أن القرآن من حيث المقاطع الصوتية جزء مما نطق به النبي؟. إن تمييزاً كهذا يكون من السخف الخالص لو لم يكن لدى صاحبه في الوقت ذاته علم تام بالفرق بين القرآن والحديث.

ومع ذلك فهذا التمييز أساسي، ذُكِّر به النبي في القرآن، في آيات كثيرة ورد فيها ذكر الوحي، سواء في صورة الاشتقاق المصدري (وحياً)، أم في صورة فعلية (أوحى، وأوحينا ... الخ).

وسنحاول استخلاص التفسير القرآني لهذه الكلمة من خلال الفقرة التالية التي تختتم قصة مشهد غيبي:

{قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} [ص ٣٨/ ٦٧ - ٧٠].

فهذه الآيات- فيما يبدو- تسوق معنى الوحي لغايات جدلية، كيما تتيح للنبي أن يستخدمه برهاناً في محاجته خصوم دعوته.

وفي آيات أخرى يسوق القرآن معنى الكلمة لحاجة النبي الشخصية، ومن أجل تربيته الخاصة، وذلك مثلاً ما يتجلى في الآية التالية:

{ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [آل عمران ٣/ ٤٤].

فهذه الآية تعطي الوحي معنى كشف المغيَّب؛ مغيب محدد تماماً، يضم التفاصيل المادية لمشهد روحي خالص، ويضم أيضاً واقعاً معيناً هو (إلقاء الأقلام).

<<  <   >  >>