ولعل هذه الفرصة لم تكن الوحيدة التي لجأ فيها إلى الموازنة الفعلية، التي تقدم في كل مرة عنصراً جديداً لقياس اقتناعه العقلي.
وأخيراً، فإن صوغ هذا الاقتناع، يبدو أنه قد سار طبقاً لمنهج عادي حين ضم- من ناحية- الملاحظات المباشرة للنبي عن حالته، ومن ناحية أخرى مقياساً عقلياً يستقي منه اقتناعه، وهو يجول بعقله في دقائق ملاحظاته.
إن علم الدراسات الإسلامية الذي يتناول هذه الدراسات في عمومها بفكر مغرض، لم يعالج مشكلة هذا الاقتناع الشخصي، على الرغم من أنها في المقام الأول من الأهمية لتفهم الظاهرة القرآنية، إذ هو يمثل مفتاح المشكلة القرآنية حين نضعها على البساط النفسي للذات المحمدية.
وغني عن البيان أنه لكي يؤمن (محمد)، ويستمر على الإيمان بدعوته يجب أن نقرر حسب تعبير (أنجلز) أن كل وحي لابد أن يكون قد (مَرّ بوعيه)(١) واتخذ في نظره صورة مطلقة، غير شخصية، ربانية في جوهرها الروحي، وفي الطريقة التي تظهر بها.
ومحمد - صلى الله عليه وسلم - قد حفظ- بلا أدنى شك- اعتقاده حتى تلك اللحظة العلوية، حتى تلك الكلمة الأخيرة:
" نعم ... في الرفيق الأعلى".
...
(١) فردريك انجلز. (لودفج فرباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الآلمانية) [ص:٣٨] الطبعة الاجتماعية- باريس يقول: " عند الإنسان المنعزل تمر كل القوى المحركة لنشاطه بعقله لكي تتحول إلى عوامل ملزمة لإرادته تدفعه إلى العمل والنشاط".