للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي هذا يحدثه الوحي صراحة:

{فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [يونس ٩٤/ ١٠].

يحدثنا المفسر جلال الدين السيوطي فيقول: إن النبي عقب على ذلك قائلاً: "لا أشك ولا أسأل" (١).

فمن هذا نرى أن النبي كان يمكنه أن يكتفي بالمقابلة الباطنية المشار إليها آنفاً، على الأقل فيما يتصل باقتناعه الشخصي. ولكن كان عليه أيضاً أن يشبع حاجة الآخرين إلى الاقتناع، فكأنما قد استخدم لذلك المنهج الثاني عندما كان يتصدى في إحدى المناظرات العامة، لتحقيق قيمة الوحي بصفة موضوعية بالنسبة لحقيقة مكتوبة في الكتب السابقة.

وتلك- على ما نظن- المناسبة التي نزلت من أجلها سورة يوسف، فكما قرر الزمخشري: نزلت هذه السورة المكية عقب نوع من التحدي الذي جابهه به علماء بني إسرائيل، لقد سألوه صراحة عن قصة يوسف، فنزلت (٢) ولكنها إذا كانت قد أجابت على تحدٍّ صادر عن أحبار اليهود أو غيرهم، فإنها لم تكن لتحسم النزاع إلا بمقابلة دقيقة بين نصوص التوراة وقصص القرآن.

ولا شك أن النبي لم يكن في نفسه مهتماً بمثل هذه المقابلة، التي تتيح له فرصة الموازنة الموضوعية بين الوحي والتاريخ الثابت في كتب بني إسرائيل.


(١) أخرجه عبد الرزاق وابن جبير عن قتادة.
(٢) ذكرنا فيما بعد سبباً آخر للنزول في معرض التدليل على أنها نزلت جملة واحدة، وهو لا يتنافى مع ما ذكر هنا في سبب النزول الذي استند إليه المؤلف. (المترجم).

<<  <   >  >>