خطوة الجمل السريعة أو الطويلة، وعلم العروض نفسه في جوهره بدوي، إذن فصورة العبقرية البدوية قد انطبعت في الشعر.
هذه اللغة الرخيمة التي تردد خلالها صهيل الخيل، ودوت في جوانبها قعقعة السيوف الهندية، قد كانت تقصف هنا وهناك صيحات الحرب يطلقها الفتيان في كل مكان، إنما تعبر عن الحماسة الأسطورية التي كان بطلها (عنترة)، أو عن النشوة الشعرية التي كان فتاها (امرؤ القيس).
والمجاز في اللغة العربية- كما سنرى فيما بعد- يستعير عناصره من سماء بلا سحاب، ومن صحراء بلا حدود، تعبرها القطا أو تثب خلالها الآرام، فهي لا تعبر عن أية حيرة روحية أو ميتافيزيقية، وهي تجهل دقائق المنطق، وتجريد الفكر الفلسفي أو العلمي أو الديني.
وثروتها اللفظية هي تلك التي تحقق حاجات الحياة البسيطة الخارجية أو الداخلية، لبدوي لا لحضري.
تلك هي الخصائص العامة لهذه اللغة الجاهلية الوثنية المترحلة البرية، التي سيطويها القرآن بعبقريته الخاصة كيما يعبر عن فكرة عالمية.
وسيختار القرآن للتعبير عن هذه الفكرة صورة جديدة هي:(الجملة). فالآية القرآنية ستقصي ناحية شعر البادية، ولكن نسقه سيبقى على كل حال، إذ هي قد تحررت من الوزن فحسب فاتسع مجالها.
وهناك شهادات سجلتها لنا السيرة في ذلك العصر، تقدم لنا معلومات واسعة عن التأثير الغلاب الذي كان لآيات القرآن على النفس البدوية.
فعمر رضي الله عنه يتحول إلى الإسلام بفعل هذا التأثير، على حين قد عبر الوليد بن المغيرة- الذي كان مثالاً في الفصاحة والفخر الأدبي- عن رأيه في