(سحر القرآن) بقول: "والله لقد سمعت كلاماً ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، وإن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق؛ وإنه يعلو ولا يعلى عليه".
قال ذلك رداً على أبي جهل الذي سأله عن رأيه فيما سمع من (محمد). هذه اللغة التي لم تعبر حتى تلك اللحظة- قبيل الرسالة- إلا عن ذكاء بدو الصحراء، تحتاج بقدر ما أن تثري لكي تشبع رغبات عقل واجهته- منذ ذلك الحين- المشاكل الغيبية والشرعية والاجتماعية بل العلمية أيضاً.
إن ظاهرة لغوية كهذه فريدة في تاريخ اللغات، إذ لم يحدث للغة العربية تطور تدريجي، بل بعض ما يشبه الانفجار الثوري الباغت، كما كانت الظاهرة القرآنية مباغتة.
وبهذا تكون اللغة العربية قد مرت طفرة من المرحلة اللهجية الجاهلية إلى لغة منظمة فنياً، لكي تنقل فكرة الثقافة الجديدة والحضارة الوليدة.
لقد ذهب بعض المفسرين إلى أن القرآن لم يستخدم مطلقاً ألفاظاً أجنبية عن لهجة الحجاز، مع أنه من البين أن في القرآن ألفاظاً جديدة، وخاصة تلك الألفاظ الآرامية التي استخدمها لتعيين مفاهيم توحيدية جديدة من الناحية النوعية، كلفظ (ملكوت)، والأسماء الخاصة مثل (جالوت وهاروت وماروت)، فمن وجهة الدراسات اللغوية يبدو القرآن وكأنما قد استحضر ثروته اللفظية الخاصة، وأنشأها إنشاء بطريقة فجائية وغريبة.
هذه الظاهرة قد خلقت من الوجهتين الأدبية واللغوية فصلاً تاماً بين اللغة الجاهلية واللغة الإسلامية.
وليس يغض من شأن هذه النتيجة ذلك الفرض الباطل الذي قال به المستشرق (مرجليوث)، فإن الجدال حول هذه المسألة قد صفي وأغلق في مصر