بما قام به الرافعي ومدرسته من دراسات، فلم يعد (لفرض) العالم الإنجليزي مجال إلا بعض الدراسات المغرضة.
وفضلاً عن ذلك فليس من الممكن أن نتصور: كيف، ولماذا اخترع بعض الناس نوعاً أدبياً رصيناً كالشعر الجاهلي، ثم اختلقوا له أسماء شعرائه ومؤلفيه (١)؟ إن هذا غير مفهوم.
أية كانت وجهة الأمر، فإن المسألة اللغوية التي أثارها القرآن تستحق في ذاتها دراسة جادة تضم ألفاظه الجديدة، واستخدامه الفذ للكلمات، وخاصة في مجال الأخرويات، وربما ظفر علم التفسير من ذلك بمجال رحيب يستطيع فيه أن يلاحظ امتداد الظاهرة القرآنية.
ولقد كان حتما على القرآن- إذا ما أراد أن يدخل في اللغة العربية فكرته الدينية، ومفاهيمه التوحيدية- أن يتجاوز الحدود التقليدية للأدب الجاهلي. والحق أنه قد أحدث انقلاباً هائلاً في الأدب العربي بتغييره الأداة الفنية في التعبير، فهو من ناحية قد جعل الجملة المنظمة في موضع البيت الموزون، وجاء من ناحية أخرى بفكرة جديدة، أدخل بها مفاهيم وموضوعات جديدة، لكي يصل العقلية الجاهلية بتيار التوحيد.
على أن هذه المفاهيم ليست مترجمة في آيات القرآن فحسب، بل إن القرآن قد هضمها وتمثلها، ثم كيّفها حتى تناسب العقلية العربية.
ومما يدلنا على هذا، أن نأخذ مثلاً التعبير الإنجيلي (مُلك الله Royaume de Dieu) ونرى هل نجده في القرآن بالتعبير نفسه؟
إن القرآن لم يضعه بحرفه، بل شكله في هيئة خاصة تمنحه أصالته
(١) حقق المؤلف هذه الفكرة في مدخل الكتاب بما لا مزيد عليه. (المترجم)