للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولدينا غرابة أخرى، هي أن هذا الموضوع لا يأتي في صورة نسخة مكررة من التوراة، فهو يتعرض أولاً للمسات القرآن في التفاصيل المادية هنا، وفي الإطار الروحي هناك، كما أوضحنا ذلك في العرض الموازن لقصة يوسف، وأخيراً فإن المصادر العربية للتعليم غير موجودة إطلاقاً، كما رأينا في بحث الفرض الأول. وإذن فلقد كان من الواجب على النبي أن يكيف موضوع تعلمه المستقى من مصدر أجنبي بالضرورة، ويعدّله ليوافق التعبير القرآني، وذلك باختيار سابق للألفاظ العربية.

ولم يكن من المستطاع أن يحدث هذا التعديل تلقائياً، دون أن تشترك فيه القدرات الشعورية لدى النبي.

من أجل هذا كله نجد أنفسنا محيرين، أمام حالة نسيان مرضي، وأمام حالة (لا شعور جزئي) لا يشرحها علم النفس، حتى ولو فرضنا أن حالة كهذه كانت متوافقة- من ناحية أخرى- مع سائر خصائص الظاهرة القرآنية.

أما من الناحية التاريخية، فإذا كان هذا المصدر الأجنبي قد وجد لتعليم النبي، فإنه لن يكون سوى مصدر شفهي، غير مكتوب لكي يكون في متناول أمي، وربما كان هناك في هذه الحالة (ملقِّن) ما يهمس دائماً إليه- دون علمه- بكل ما يتصل بدعوته. وإن الطابع الخاطئ لافتراض كهذا ليقف في مواجهة واقعين لا يقبلان المناقشة، هما القيمة القرآنية، وقيمة الذات المحمدية، وهكذا ينتهي بنا الفرض إلى تناقض تاريخي ونفسي، فنحن مضطرون إلى أن نستنتج أن وجوه الشبه الملحوظة لا تعزى إلى تأثير يهودي مسيحي ذاع في البيئة الجاهلية، ولا إلى تعلم شخصي أو لاشعوري لشخص النبي.


= أنزل القرآن على رسول الله عليه الصلاة والسلام فتلاه على أصحابه زماناً فقالوا:
"يا رسول الله لو قصصت علينا" فزلت، وقد ورد غير ذلك في سبب النزول، ولكن سائر ما قيل لا ينافي أنها نزلت كلها مرة واحدة". (المترجم)

<<  <   >  >>