فإن المنافقين بالمدينة لم يكفوا عن تدبير صنوف المؤامرات والمكائد ليشلوا دعوة رسول الله عن الحركة، فكانوا يهتبلون (*) الفرص ليبهتوه وينالوا من هيبته، ويعوقوا كفاحه، فلقد كان (لمكيافيلي) من بينهم تلاميذ نجباء، قبل أن يخرج (ميكيافيلي) إلى الوجود. ونعود إلى حديثنا، فقد وجدت الزوجة الشابة (عائشة) رضي الله عنها نفسها فجأة منقطعة عن القافلة، حبستها عنها ضرورة، فاستمرت القافلة في سيرها، مستاقة معها رحلها، وأقبل الليل فأخذت تنادي مستيئسة، حتى ظنت نفسها فقيدة في الصحراء، فنامت في الطريق أشبه بطفلة، وإذا بصحابي كان يسير في مؤخرة القافلة يجدها هناك فيتعرف عليها، وينزل عن ناقته ليركب أم المؤمنين، ثم يلحق بالقافلة.
ولكن المنافقين كانوا هناك، فأشاعوا أن عائشة قد لعبت دور الفتاة العابثة .. فضيحة ..
ويهم المسلمون بقتل زعيم المنافقين ... أزمة.
هذا هو الإطار التاريخي الذي تعرض فيه حالتنا، وسنرى أنها قد حُلت حلاً رائعاً في نطاق الظاهرة القرآنية. فالواقع أن النبي قد دهمه الشك، فلقد كان إنساناً على الرغم من كل شيء، ولكن هذا الإنسان كان ذا ضمير يستمد سموه من سمو دعوته، فهو يعلم أن أعماله ستكون أحكاماً ومقاييس، فما هو القرار الذي يمكن أن يتخذه شريطة أن يكون متفقاً مع طبيعته الإنسانية، ومع أساس دعوته العلوي.؟ .. إن المسألة بهذه الصورة تعد اختباراً حاسماً للدعوة، فبحكم فطرته الإنسانية، وربما تأثراً بإيحاء المحيطين به أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة إلى منزل أبيها، واحتجت عائشة دون جدوى ضد هذه الإهانة والتهاون، أما النبي فلم يطلقها كيلا ينشئ سابقة قانونية، ولم يعف أيضا كيلا يعرض عظمة دعوته العلوية للخطر. ولقد اقتضى هذان الاعتباران لديه حالة معينة كان يعاني
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: وعندي في نسخة أخرى للكتاب"ينتهضون " بدل "يهتبلون