هذا هو المسلك الشرعي الذي اتبعه القرآن من أجل أن يواجه مشكلة الخمر الخطيرة ويحلها، فما هو أثر هذا التشريع؟ ..
إن الإحصاء في البلاد الإسلامية، حتى المتدهورة منها، يدلنا على قلة تعاطي الخمر فيها، بينما تعاني الإنسانية منها- بكل أسف- في البلاد المتحضرة، فالعالم الإسلامي بوجه عام يجهل منذ ثلاثة عشر قرناً هذه النكبة، فكيف أحرز تحريم الخمر في القرآن هذا النجاح .. ؟ ..
إنه المنهج دون أدنى شك، ذلك الذي عرضناه عرضاً تخطيطياً ينتهي بأمر شرعي صارم. والواقع أن النص الأول يثير آثام الخمر في الضمير المسلم فحسب، وقد كانت هذه هي الطريقة المتحفظة لإثارة المشكلة وتسجيلها بصورة ما في عداد الهموم الاجتماعية لمجتمع ناشئ، وبهذه الطريقة أمكن للمشكلة أن تشق طريقها في ضمير الصفوة المختارة، في هذا المجتمع الذي يحكمه الدافع الخلقي. فالموقف الأول سيكون إذن مرحلة (حضانة) ضرورية، هي المرحلة النفسية للمشكلة وعلى أساس هذا البناء الفاضل للضمير المسلم يقوم النص التحديدي في الآية الثانية:{لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}[النساء٤٣/ ٤]، فهنا تحديد، لأنه لكيلا نكون سكارى خلال أوقات الصلوات الخمس، يجب ألا نقرب السكر أبداً، فهو يهدف إلى أن يطهر مدمني الخمر تدريجياً، وإلى أن يرتب حظراً خلقياً، قبل أن يسن التحريم النهائي، وتوضع العقوبة المجازية لارتكب الجرم المحرم. وبهذه الطريقة تحاشى القرآن أن يثير في الوقت نفسه مشكلة اقتصادية هي مشكلة تجارة الخمر، إذ كانت هذه التجارة قد نمت واتسعت، حتى خلع عليها عرب الجاهلية ألقاباً كثيرة يعينون بها مطالبهم من أنواع الخمور (١)، ولقد ظلت الكلمة المشهورة لامرئ القيس، والتي قالها عندما
(١) انظر درمنجهام في (مقدمة في مدح الخمر) لابن الفريد، بالفرنسية.