وإذن! ينبغي أن نعيد تصور المشكلة وتصويرها. فإن النظر المجرد والمنطق المتساوق والتمحيص المتتابع، كل ذلك قد أفضى بنا إلى تجريد معنى (إعجاز القرآن) مما شابه وعلق به، حتى خلص لنا أنه من قبل النظم والبيان، ثم ساقنا الاستدلال إلى تحديد صفة القوم الذين تحداهم وصفة لغتهم، ثم خرج بنا إلى طلب نعت كلامهم، ثم التمسنا الشاهد والدليل على الذي أدانا إليه النظر، فإذا هو (الشعر الجاهلي).
وإذن، فالشعر الجاهلي هو أساس مشكلة (إعجاز القرآن) كما ينبغي أن يواجهها العقل الحديث؛ وليس أساس هذه المشكلة هو تفسير القرآن على المنهج القديم كما ظن أخي مالك، وكما يذهب إليه أكثر من بحث أمر إعجاز القرآن على وجه من الوجوه.
ولكن الشعر الجاهلي قد صُبَّ عليه بلاء كثير، آخرها وأبلغها فساداً وإفساداً ذلك المنهج الذي ابتدعه (مرجليوث) لينسف الثقة به، فيزعم أنه شعر مشكوك في روايته، وأنه موضوع بعد الإسلام؛ وهذا المكر الخفي الذي مكره (مرجليوث) وشيعته وكهنته والذين ارتكبوا له من السفسطة والغش والكذب ما ارتكبوا، كما شهد بذلك رجل من جنسه هو (آربري)، كان يطوي تحت أدلته ومناهجه وحججه، إدراكاً لمنزلة الشعر الجاهلي في شأن إعجاز القرآن، لا إدراكاً صحيحاً مستبيناً، بل إدراكاً خفياً مبهماً، تخالطه ضغينة مستكينة للعرب وللإسلام.
وهذا المستشرق وشيعته وكهنته، كانوا أهون شأناً من أن يحوزوا كبيراً بمنهجهم الذي سلكوه، وأدلتهم التي احتطبوها لما في تشكيكهم من الزيف والخداع؛ ولكنهم بلغوا ما بلغوا من استفاضة مكرهم وتغلغله في جامعاتنا، وفي العقل الحديث في العالم الإسلامي، بوسائل أعانت على نفاذهم، ليست من العلم ولا من النظر الصحيح في شيء؛ وقد استطاع رجال من أهل العلم، أن يسلكوا