ويطمئن إليه، وليس هذا فحسب، بل إن أهل الحق من أهل الإسلام، سيجدون يومئذ وسيلة لا تدانيها وسيلة، تسهل لهم ما استغلق عليهم من دعوة الناس إلى كتاب الله الذي خصّ به العرب، وجعل فيه ذكرهم على الدهر حين أنزله بلسانهم، ولكنه جعله هدى للبشر جميعاً عربهم وعجمهم. ويومئذ ستبطل فتنة (ترجمة القرآن) من أصلها، لسبب ظاهر أشد الظهور. فإن البشر إذا لم يكن في طاقتهم بألسنتهم التي يبدعون في شعرها ونثرها، أن يأتوا ببيان كبيان القرآن، تدل تلاوته على أنه بيان مفارق لبيان البشر، فمن طول السفه وغلبة الحماقة، أن يدعي أحد أنه يستطيع أن يترجم القرآن، فيأتي في الترجمة ببيان مفارق لبيان البشر. فإذا لم يكن ذلك في طاقة أحد، لم يكن لهذه الترجمة معنى بل سيكون فيها من القصور والتخلف، ما يجعل القرآن كلاماً كسائر الكلام، لا آية فيه ولا حجة على أحد من العالمين، ولا توجب ترجمته على أحد أن يؤمن بما فيه، وإن خالف ما جرى عليه اعتقاده أو علمه، إلا إذا آمن من قبل أنه كتاب منزل من المسلماء. وهذا عكس لآية القرآن، وهي أن بيانه هو الدليل القاطع على أنه ليس من كلام البشر، وأنه كتاب منزل من المسلماء، وأنه هو كلام رب العالين الذي تعبدنا بتلاوته، والذي قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه، وهو عليه شاق، له أجران)). وقال أيضاً:((من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها. لا أقول {ألم} حرف، ولكن أقول ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)).
...
وأما بعد، فعسى أن يكون الله قد ادخر لآخر هذه الأمة، بعض ما يلحقها بفضل أولها، فتفتح بالقرآن آذاناً صماً وعيوناً عمياً وقلوباً غلفاً، وتخرج بهديه الناس من ضلالتهم، وتذودهم به عن اتباع خطوات الشيطان، إلى اقتفاء