للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأجناد، واتخذ العدة، ويصفونه بأنه كان أفحل أمراء بني أمية بالأندلس، وأشدهم إقداماً ونجدة، وكانوا يشبهونه أيضاً بأبي جعفر المنصور العباسي في شدة الملك وتوطيد الدولة وقمع الأعداء. وقد أكثر من شراء الأسلحة وتوفيرها للجند، كما اشترى أعداداً كبيرة من العبيد والمماليك يقدر عددهم بنحو خمسة آلاف مملوك، منهم ثلاثة آلاف فارس وألفا راجل. ولما كان هؤلاء المماليك لا يعرفون اللغة العربية ولا يقدرون على النطق بها، فقد سموا بالخرس لعجمتهم (١١). وجعل الحكم من هؤلاء حرساً له، كما قسمهم إلى سرايا خفيفة حتى تستطيع الحركة السريعة للقضاء على المتمردين على الدولة. ويذكر مؤلف كتاب " أخبار مجموعة " أنه كانت للحكم ألفا فرس مربوطة إزاء قصره المطل على نهر الوادي الكبير، ويجمعها داران، على كل دار عشرة عرفاء، تحت يد كل عريف مئة فرس.

وكان العرفاء يشرفون عليها وعلى علفها، حتى تكون مستعدة دوماً لكل ما يطرأ من أمور، فتتوجه على الفور، بأمر من الأمير، للقضاء على أية حركة معادية، أو للقبض على من تسول له نفسه القيام على الدولة (١٢). وهكذا استطاع هذا الأمير، ومن خلفه من الأمراء أن يثبتوا السلطة والاستقرار في البلاد، ويحموها من مخاطر المتمردين والطامعين.

٢ - محاولة الحفاظ على وحدة الأمة الروحية:

كانت الحياة الدينية في الأندلس في الفترة الأولى متأثرة ببلاد الشام، فقد اعتنق أهل الأندلس مذهب الإمام عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، إمام الشام المتوفى سنة ١٥٧ هـ/٧٧٣ م. وكان هذا الإمام من المجاهدين المرابطين في مدينة بيروت ضد العدو البيزنطي. ومن هنا، فقد كان مذهبه يركز على التشريعات الحربية، وأحكام الحرب والجهاد. وكانت هذه الأمور تناسب وضع أهل الأندلس في الفترة الأولى، حيث كان وضعهم في هذه البلاد قائماً على الحرب والجهاد، ولهذا اعتنقوا مذهب الأوزاعي (١٣).

ومن العلماء الذين ساروا بالأندلس على نهج الأوزاعي، صعصعة بن سلام الشامي المتوفى سنة ٢٠٢ هـ/٨١٧ م. وكان تلميذاً للأوزاعي، وعليه كانت تدور الفتيا بالأندلس أيام الأمير عبد الرحمن بن معاوية، وصدراً من أيام هشام بن عبد الرحمن، وولي الصلاة بقرطبة، وفي أيامه غرست الشجر في مسجد قرطبة الجامع، وهذا على مذهب الأوزاعي (١٤).


(١١) المقري: ١/ ٣٤٠ - ٣٤٢.
(١٢) أخبار مجموعة، ص و ١٢٩ - ١٣٠.
(١٣) قارن: أحمد مختار العبادي، المرجع السابق، ص ١١٤.
(١٤) ابن الفرضي، تاريخ علماء الأندلس، ق ١، ص ٢٠٣، ترجمة (٦١٠).

<<  <   >  >>