إلى الثورة أيضاً كل من عمر بن طالوت اليحصبي وكلثوم بن يحصب، وقصدوا جميعاً قرطبة. ومما زاد في خطر هذه الثورة، انضمام العديد من البربر المؤيدين لليمنيين في المنطقة إليها. وقد سارع عبد الرحمن للقضاء عليها وإخمادها، واستخدم أسلوب التفريق بين البربر واليمنيين، مستعيناً بمواليه من البربر مثل بني خليع وبني وانسوس وغيرهما. فداخل هؤلاء بني جلدتهم في معسكر الثوار وأقنعوهم بالتخلي عن زعماء الثورة والانضمام إلى عبد الرحمن الذي وعدهم بالعطاء وضمهم إلى الديوان. وفي المعركة التي وقعت فيما بعد بين الطرفين تخلى البربر عن حلفائهم اليمنيين، وانضموا إلى جيش عبد الرحمن، فوقعت الهزيمة على الثوار وقتل معظم قادتهم (٢٤).
ثانياً - ثورات البربر:
بالإضافة إلى مساهمة البربر في معظم الثورات التي قامت بها القبائل العربية في الأندلس، كانت لهم حركاتهم الخاصة بهم ضد السلطة الأموية. ويرجع السبب في هذا إلى عدة عوامل، منها أن الكثير منهم كانوا حلفاء للقبائل العربية وتربطهم مصالح مشتركة، فيثورون معهم تبعاً لذلك. وكانوا منذ فترة الفتح وعصر الولاة متبرمين من أوضاعهم ويميلون إلى الشغب والتمرد. ولكن بمرور الزمن ظهرت عوامل أخرى دفعت جماعات من هؤلاء البربر إلى الثورة ورفع راية العصيان ضد السيادة العربية. فقد استغل أحد رجالهم، المدعو شقيا بن عبد الواحد المكناسي، سذاجة البربر، فادعى أنه من ولد الحسن بن علي، وأنه فاطمي النسب، خاصة وأن اسم أمه كان فاطمة، فاتخذ له اسماً عربياً هو عبد الله بن محمد، وأخذ يدعو الناس لنفسه والثورة على حكومة قرطبة. وقد بدأت دعوة هذا الرجل الذي كان بالأصل معلماً للصبيان في شنتبرية Santaver الواقعة في شرق الأندلس، ثم امتدت إلى أقاليم عديدة في وسط وشمال إسبانيا وغربها مثل ماردة وقورية ومادلين. وتبعه العديد من بربر هذه المناطق الذين آمنوا بدعوته، أو طمعوا بالحصول على امتيازات أو وضع أفضل في حالة الانتصار. واستمرت هذه الحركة التي قامت في عهد عبد الرحمن الأول ما يقارب عشر سنوات ١٥١ - ١٦٠ هـ/٧٦٨ - ٧٧٧ م.
وكان الأمير خلالها يسيّر عليه العديد من الحملات التي كانت تفشل في القضاء على أتباعه المتمردين لاعتصامهم بالجبال المنيعة، وتجنبهم للمعارك الحاسمة في السهول. ولم يتمكن الأمير عبد الرحمن من القضاء على هذه الحركة إلا بالتعاون مع أحد زعماء