للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مؤيديه، بعد أن حشيت بالملح والكافور، إلى القيروان حيث طرحت ليلاً في بعض أسواقها. وقد وصل خبر هذا الحادث إلى أبي جعفر المنصور، وقيل أن الرؤوس حملت من قبل بعض الحجاج إلى مكة حيث كان المنصور يؤدي مراسيم الحج، فانزعج من هذا الأمر، وقال: " الحمد لله الذي جعل بيننا وبين مثل هذا -يقصد عبد الرحمن بن معاوية- من عدونا بحراً " (٢١). ولقد لقب المنصور على أثر هذا الحادث، الأمير عبد الرحمن بن معاوية، بلقب " صقر قريش " وذلك اعترافاً منه بقوة وعزيمة هذا الأمير الذي استطاع أن يؤسس بمفرده دولةً، ويمصر الأمصار، ويجند الأجناد، ويدون الدواوين، وينال مُلكاً بعد انقطاعه بحسن تدبيره وشدة شكيمته (٢٢).

وبعد نحو ثلاث سنوات على فشل حركة العلاء بن مغيث، ثار قائد عربي آخر يدعى سعيد اليحصبي المطري في نبلة Niebla انتقاماً لدماء الذين قتلوا مع العلاء. وقد انضم إليه عدد كبير من اليمنيين، فسار إلى إشبيلية واستولى عليها، ثم نزل بقلعة رعواق الواقعة على نهر الوادي الكبير بالقرب من إشبيلية وتحصن بها. فسار إليه عبد الرحمن وحاصره واضطره إلى الخروج والقتال، وكانت النتيجة مقتل قائد الثورة والعديد من أتباعه وتفرق الباقين حيث عفا عنهم الأمير عبد الرحمن. وفي هذا العام نفسه أي ١٤٩ هـ/٧٦٦ م، ثار أبو الصباح بن يحيى اليحصبي. وكان الأمير قد ولاه على إشبيلية، بعد قيام الإمارة الأموية، لكنه كان يشك في ولائه منذ دعوته للإطاحة به بعد انتهاء معركة المصارة. ولهذا فقد عزله بعد فشل ثورة المطري، فنقم عليه أبو الصباح، فكاتب الأجناد وألّبهم على عبد الرحمن. وعندما تبين للأمير عظم نفوذ أبي الصباح وقوته وتأثيره على الأجناد، حاول التفاوض معه واستدراجه بالحيلة إلى قرطبة حيث قتله في العام نفسه، فتفرق جنده " (٢٣).

وقد كان لمقتل أبي الصباح أثر بالغ على القبائل اليمنية في غرب الأندلس، لأنه كان سيد عرب هذه المناطق، وكان أقرباؤه زعماء لكور متعددة فيها. فازدادت نقمتهم على عبد الرحمن، وتحينوا الفرص للثورة عليه. وقد سنحت لهم الفرصة في سنة ١٥٦ هـ/٧٧٢ م. عندما كان الأمير مشغولاً بالقضاء على إحدى ثورات البربر في وسط البلاد، فثار اليمنيون في إشبيلية ولبلة وباجة بقيادة حيوة بن ملامس الحضرمي، وعبد الغفار اليحصبي، وانضم


(٢١) ابن القوطية، ص ٣٣ - ٣٤؛ أخبار مجموعة، ص ١٠٣؛ ابن عذاري: ٢/ ٥٢.
(٢٢) أعمال الأعلام، ص ٩ - ١٠.
(٢٣) أخبار مجموعة، ص ١٠٥ - ١٠٦؛ فتح الأندلس، ص ٦٣ - ٦٤؛ ابن عذاري: ٢/ ٥٣ - ٥٤.

<<  <   >  >>