للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يرمي إليه عبد الرحمن ازدادت مخاوفهم من النظام الجديد، وابتدأوا بالثورة عليه. يضاف إلى هذا، إن مجيء عبد الرحمن إلى الحكم لم يحقق لهم ما كانوا يصبون إليه من السلطان والامتيازات، والتسلط على المنهزمين من جماعة يوسف الفهري والصميل.

وتبين لهم أن الأمير الجديد عدهم أداة للوصول إلى الحكم، ومن ثم عاملهم معاملة الأتباع الذين عليهم واجب الطاعة فقط. فكره شيوخ اليمنيين ذلك، بل إن بعضهم حاول الانقلاب على الأمير ومواليه بعد انتصاره مباشرة في معركة المصارة، كما أسلفنا.

وكان أول من رفع راية العصيان من اليمنيين على عبد الرحمن الأول هو العلاء بن مغيث الجذامي (١٩)، رئيس جند مصر في باجة، جنوب البرتغال الحالية، في سنة ١٤٦ هـ/٧٦٣ م. وتروي المصادر العربية، أن الخليفة العباسي أبا جعفر المنصور، كان وراء هذا العصيان، فحرض العلاء على التمرد، واسترداد الأندلس للخلافة العباسية ووعده بإمارة الأندلس إن هو تمكن من النجاح والانتصار على عبد الرحمن بن معاوية. وقد أرسل له سجل تعيينه على البلاد، والرايات السوداء، شعار العباسيين، لاتخاذها أعلاماً للثورة (٢٠). وعلى الرغم من هذا، لا يمكن للمرء أن يركن إلى هذه الروايات، لأن الخلافة العباسية لم تكن مستعدة لذلك، وأبو جعفر المنصور بالذات، كان مشغولاً في ذلك الوقت بحل المشاكل العديدة التي كانت تواجهه في المشرق العربي، وليس من المعقول أن يفكر بإرسال جند أو بالتأييد العسكري لمغامرة بعيدة جداً عن مركز دولته في العراق. يضاف إلى ذلك، أن العباسيين لم يكونوا مسيطرين حتى ذلك الحين على المغرب العربي، وكانت سلطتهم مهزوزة في أفريقية، أي تونس الحالية، فكيف يفكرون بالاستيلاء على الأندلس البعيدة. ولكن هذا لا يعني أن المنصور لم يظهر الرضى عمن يدعو باسمه في الأندلس أو في غيرها. وأغلب الظن أن العلاء بن مغيث دعا من تلقاء نفسه إلى الخلافة العباسية تقوية لحركته وإظهاراً لقدسيتها ولجمع أكبر عدد ممكن من الناقمين على نظام الحكم والمؤيدين لإحداث التغيير في البلاد. وقد انضم إلى الثورة أعداد كبيرة من اليمنيين، وجميع العناصر الساخطة على حكم عبد الرحمن، فتضخم جيش العلاء. وسارع عبد الرحمن لمحاربته، لكن العلاء انتصر عليه وحاصره في مدينة قرمونة لمدة شهرين. وأخيراً تشجع الأمير وخرج بجنوده من هذه المدينة، وهو ينوي الانتصار أو الموت، فانقضوا على جند العلاء وقتلوا منهم عدداً كبيراً بضمنهم العلاء نفسه. وتزعم الروايات أن عبد الرحمن أمر بحمل رأس العلاء ورؤوس بعض كبار


(١٩) يسميه بعض المؤرخين أيضاً باليحصبي، وبالحضرمي تارة أخرى.
(٢٠) انظر: ابن القوطية، ص ٣٢ - ٣٣؛ أخبار مجموعة، ص ١٠١ - ١٠٢، ابن عذاري: ٢/ ٥٢.

<<  <   >  >>