للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو مملكة أشتوريش، فقد كانت أعظم خطراً من إمارة كانتبرية لأنها تقع في جبال وعرة بعيدة عن طريق غزوات الفاتحين. فقد اعتصم فيها مجموعة من فلول القوط والتجأوا إلى مغارة تدعى كوفادونكا Covadonga، التي تقع في سلسلة جبال كانتبرية المنيعة، فى أعلى قممها، التي يطلق عليها الإسبان اسم قمم أوروبا Picos de Europa، بينما يسميها المؤرخون المسلمون بالصخرة ويجعلونها في جليقية (٢). أما القائد الذي التفت حوله هذه الفلول، فيدعى بلايو Pelayo أو بلاجيوس Pelagius. وتعرفه الرواية العربية باسم بلاي، وهو شخصية يحيط بأصلها الغموض، لكنه على الأرجح ينتمي إلى أصل قوطي نبيل. وتقول بعض الروايات أنه كان ابناً للدوق فافيلا، دوق كنتبرية (٣)، وأنه كان الساعد الأيمن للملك لذريق. وقد وقع بلاي أسيراً بأيدي المسلمين، وسجن في قرطبة، لكنه تمكن من الفرار في زمن الحر بن عبد الرحمن الثقفي سنة ٩٨هـ/٧١٨ م، واتجه إلى منطقة أشتوريش في الشمال الغربي من البلاد (٤). وأخذ يتنقل في هذه المنطقة حتى استقر به المقام في قرية كانجا دي أُونيس Cangas، حيث التف حوله نفر من القوط الهاربين من المسلمين، ومن الآيبيريين والرومان المقيمين في هذه المنطقة. فأخذ يحرضهم على الوثوب بالعرب، ويعيب عليهم الاستسلام والتراجع (٥). وقد لوحق بلاي من قبل منوسة، القائد البربري المسلم في منطقة الاشتوريش، لكن بلاي تمكن من الإفلات منه والاختفاء في الجبال المنيعة، وبخاصة في منطقة الصخرة الآنف ذكرها.

وقد استهون المسلمون أمر هذه الشرذمة الصغيرة، وانصرفوا إلى شؤونهم الداخلية، وانشغلوا بعوامل الفرقة والخلاف، وخاصة بعد تمرد البربر في الأندلس. فاستغل الإسبان هذه الفرصة، وشرعوا بالتحرك والإنحدار نحو الجنوب والاستيلاء على المناطق التي تركها البربر. وعندما تنبه المسلمون إلى هذا الأمر، الذي بدأ يشكل خطراً عظيماً على وجودهم في شبه الجزيرة، حاول بعض ولاتهم أن يتصدوا لهذه الإمارة، فأرسلوا إليها بعض الحملات التي لم تستطع القضاء عليها نظراً لوعورة المنطقة. وتشير بعض الروايات المسيحية إلى أن بلاي وجماعته، حققوا نصراً باهراً على المسلمين سنة


(٢) انظر: أخبار مجموعة، ص ٢٨؛ ابن عذاري: ٢/ ٢٩.
(٣) انظر: ابن خلدون، كتاب العبر: ٤/ ٣٨٦؛ وراجع مؤنس، فجر الأندلس، ص ٣١٨ فما بعدها؛ وبحثه الموسوم " بلاي وميلاد اشتريس " مجلة كلية الآداب، جامعة فؤاد الأول؛ مجلد ١١، ج ١، القاهرة، ١٩٤٩.
(٤) المقري، نفح الطيب: ٤/ ٣٥٠.
(٥) المصدر نفسه: ٣/ ١٧؛ وانظر: مؤنس، فجر الأندلس ص ٣٣٤.

<<  <   >  >>