للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأول: فقدان الوحدة بين صفوف هذا الجيش الكبير الذي حشر حشراً مكرهاً غير مخير (٢١)، وتعيين نجدة بن حسين الصقلبي قائداً أعلى له عامل مضاف ولَّد نوعاً من التذمر أثر تأثيراً سلبياً على معنويات بعض فرقه وإلى هذا يشير ابن حيان بقوله: " وبدا من قوم من وجوه الجند في هذا اليوم النفاق لأضغان احتملوها على السلطان، ففتقوا الصفوف، وشارعوا في الهرب وجروا على المسلمين الهزيمة " (٢٢).

والثاني: لم يكن ميدان المعركة في صالح القوات العربية، ولم يسمح لها بالمناورة الكافية عند الضرورة، لذا حسمت المعركة مع أول ارتداد أصاب بعض فرق هذه القوات، ولم يتمكن الناصر من معالجة الموقف بعد مقتل نجدة الصقلبي وإبعاد قواته المتراجعة بدون نظام إلى الخندق الذي أصبح مقبرة حقيقية لمعظم قواته المرتدة.

وكان وقع هذه الهزيمة شديداً على الناصر، ومن هنا فقد حاول تسويغها بمنشور عام فصل فيه الظروف التي أحاطت بقواته والأسباب التي أدت إلى هذه النتيجة أورد ابن حيان نصه في كتابه المقتبس (٢٣).

أما الرواية الإفرنجية فقد أغرقت في تعظيم الانتصار ونتائجه وبالغت في عدد القتلى من جيش الأندلس (٢٤).

ومهما يكن من أمر فإن هذه المعركة لم تكن إلا واحدة من المعارك التي قامت بها القوات العربية في عمق أراضي الممالك الشمالية ولم تكن نتائجها أكثر من كونها معركة خسرها العرب في هذه المناطق، أعقبها معارك أخرى عديدة سنتعرض لتفاصيل بعضها في الفصول القادمة.

- الأندلس والدولة الفاطمية:

اتسمت العلاقة بين الأندلس والفاطميين في المغرب بالعداء الشديد وقد حاول كل منهما التوسع على حساب الآخر بشتى الوسائل والطرق واعتمد الطرفان أساليب مختلفة للإخلال بأمن الطرف الآخر وإثارة المتاعب، وقد تراوحت تلك الأساليب بين الحرب


(٢١) نص الرازي الآنف الذكر.
(٢٢) المقتبس: ٥/ ٤٣٦، ابن الخطيب، أعمال الأعلام: ٣٧ وسمى منهم ابن حيان: فرتون بن محمد الطويل الذي أعدم مع من أعدم حال وصول الناصر مدينة قرطبة.
(٢٣) ٥/ ٤٣٨ - ٤٤٣.
(٢٤) من هذه الروايات رواية ألفونسو الحكيم في تاريخه العام، ينظر: عنان: ٢/ ٤١٩.

<<  <   >  >>