للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نفقات كل سنة أكثر من ثلاثمائة ألف دينار (٥٧). وانتقل إليها الناصر بحاشيته وخواصه وخدمه في سنة ٣٣٦ هـ (٥٨).

واشتملت مبانيها على أربعة آلاف سارية ما بين كبيرة وصغيرة حاملة ومحمولة جلب بعضها من رومة والبعض الآخر من القسطنطينية ومصاريع أبوابها كانت تزيد على خمسة عشر ألف باب، ملبسة بالحديد والنحاس المموَّه (٥٩). وجلب الرخام المستخدم في بنائها من مدن اشتهرت بهذه المادة، فمنه ما جلب من مدينة المرية ورية وأصناف منه جلبت من المغرب العربي ومن مدينتي صفاقس وقرطاجنة واجتهد الناصر باختيار التحف النادرة من الشام والقسطنطينية (٦٠)، وكان القصر الخليفي في المدينة وما حواه من قاعات (٦١) يعد آية من آيات الإبداع فقد زين بكل ما يسر النفس وأتحف بكل نادر ونفيس، وقد أطال المؤرخون في وصف قصر الزهراء وتعرضوا لبلاطه ولمحتوياته، وقاعاته الملوكية والتماثيل التي زينت تلك القاعات وفسح القصر (٦٢).

وفضلاً عن القصر فقد بنى في الزهراء مسجداً طوله من القبلة إلى الجوف -عدا المقصورة- ثلاثون ذراعاً وعرض البهو الأوسط من الشرق إلى الغرب ثلاثة عشر ذراعاً، تم بناؤه وإتقانه في مدة ثمانية وأربعين يوماً، وكان يعمل به أكثر من ألف عامل منهم ثلاثمائة بناء، ومائتا نجار والبقية من الأجراء وبقية العمال المهرة (٦٣).

ولم تعمر مدينة الزهراء طويلاً فقد ظلت مقراً للخلافة في عهد الناصر وولده الحكم المستنصر ثم فقدت أهميتها وبريقها السياسي عندما سيطر الحاجب المنصور بن أبي عامر على مقاليد الأمور وبنى مدينته المعروفة بالزاهرة، وفقدت الزهراء رسومها عندما اجتاحت الأندلس وقرطبة خاصة عوامل الفتنة والفوضى جراء النزاع على السلطة في بداية القرن الخامس الهجري، وتعرضت هذه المدينة إلى الدمار والحرق ونهب ما حوته من نفيس التحف.


(٥٧) المقري: ١/ ٥٦٨.
(٥٨) العبادي، في تاريخ المغرب والأندلس: ٢٠٦؛ وينظر: أعمال الأعلام: عن الخدم والجواري والحرس الخاص ومقدار ما كان يدخل الزهراء يومياً من المواد التموينية.
(٥٩) المقري: ١/ ٥٦٦.
(٦٠) ابن عذاري: ٢/ ٢٣١،
(٦١) عن قاعات قصر الزهراء، ينظر: نجلة: ١٠٠ وما بعدها.
(٦٢) ابن عذاري: ٢/ ٢٣١. المقري: ١/ ٢٥٧.
(٦٣) المقري: ١/ ٢٦٤.

<<  <   >  >>