للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وشهدت السواحل الغربية عدة صدامات بين الطرفين ففي شهر رجب سنة ٣٥٥ هـ (٩) " ورد كتاب من قصر أبي دانس على المستنصر بالله يذكر فيه ظهور أسطول المجوس (النورمانديين) ببحر المغرب بالقرب من هذا المكان واضطراب أهل ذلك الساحل لذلك، لتقدم عادتهم بطروق الأندلس من قبله فيما سلف، وكانوا في ثمانية وعشرين مركباً (١٠)، ثم ترادفت الكتب من تلك السواحل بأخبارهم وأنهم قد أضروا بها، ووصلوا إلى بسيط أشبونة، فخرج إليهم المسلمون، ودارت بينهم حرب استشهد فيها من المسلمين وقتل فيها من الكافرين وخرج أسطول إشبيلية فاقتحموا عليهم بوادي شلق، وحطموا عدة من مراكبهم واستنقذوا من كان فيها من المسلمين، وقتلوا جملة من المشركين وانهزموا أثر ذلك خاسرين " (١١). ولم تزل الأخبار تتوارد إلى قرطبة عن نشاط هؤلاء الغزاة حتى تم قتل معظمهم وأسر أعداد أخرى منهم، فيما ولت بقيتهم من الأحياء منهزمة إلى قواعدها (١٢).

وعاود النورمانديون الكرة في سنة ٣٦٠هـ (١٣) وعلى المنطقة نفسها ولكنهم ردوا دون تحقيق أي هدف من أهدافهم (١٤) بفضل يقظة واستعداد الأسطول الأندلسي للإقلاع مع أول إشارة بظهور السفن الغازية (١٥).

أما سياسة الخليفة الحكم اتجاه الممالك الإسبانية الشمالية، فهي سياسة قامت على احترام جميع الاتفاقات والمعاهدات المبرمة بين الدولة العربية في الأندلس وأمراء وملوك الدول الإسبانية الشمالية، ولكن مثل هذه الاتفاقات لم يكن لها ذلك المفعول التنفيذي فسرعان ما تسقط جميع الاتفاقات وتفرغ من مضامينها عند أول فرصة تسنح لهذه الممالك لغزو أراضي الدولة العربية أو الإخلال بأمنها (١٦). فمن المعروف أن


(٩) في نفح الطيب: " سنة ٣٥٤ هـ ".
(١٠) يذكر دوزي: أن كل سفينة كانت تحمل ثمانين محارباً أي أن مجموعهم كان حوالي (٢٢٤٠) رجلاً. العبادي: ٢٢١.
(١١) ابن عذاري: ٢/ ٢٣٨ و ٢٣٩؛ وينظر: ابن خلدون: ٤/ ١٤٥.
(١٢) ابن عذاري: ٢/ ٢٣٩؛ العبادى: ٢٢١.
(١٣) ابن عذاري: ٢/ ٢٤٠.
(١٤) وعن الغزوات الأخرى الفاشلة، ينظر: عبد العزيز سالم، المسلمون وآثارهم في الأندلس: ٢٨٦، العبادي: ٢٢٠.
(١٥) ابن عذاري: ٢/ ٢٣٩.
(١٦) من شدة استخفاف أمراء وملوك هذه الدول بالإتفاقات والمعاهدات أنهم كانوا يبعثون سفراءهم لإقرار السلام، وفي نفس الوقت يقومون بغارات متعمدة على الأراضي العربية، والأمثلة على ذلك =

<<  <   >  >>